سإذا رغب أحد في دخول قلب الانتصار الأمريكي فليس هناك أفضل من التوجه إلى بلدة نورفولك في فرجينيا. إن البلدة التي تعتبر مركز قيادة الاسطول البحري الأمريكي العامل في المحيط الأطلسي لا حديث آخر لأهلها سوى الانتصار الذي حققه أبناؤها العسكريون. ومع أن العسكريين ممنوعون من الحديث العلني حول الحرب أو السياسة إلا أن أربعة من جنود البحرية الجالسين بأحد المقاهي شق عليهم التقيد بالمنع، قال أحدهم لا أحد يستطيع الوقوف في وجهنا .. لا منجاة لأحد من جنود بحريتنا، سلاحنا الجوي ، أو قنابلنا الذكية وأضاف آخر أنا أقف وراء بوش تماما، إن كلينتون لم يكن ليملك الجرأة على أن يفعل شيئا من هذا القبيل.
وأضاف ثالث إذا أمرنا الرئيس غدا بالتوجه نحو سوريا أو كوريا فلن يتردد فرد واحد في الجيش عن تنفيذ الأمر.
إن حماسة المحاربين لا تعتبر بالضرورة مقياسا للمزاج الوطني، غير أن هناك هذه الأيام مؤشرات لوجود اعتقاد متنامٍ في أمريكا مفاده أنها تستطيع إعادة تشكيل العالم وفق رؤيتها.
إن الحمائم في حالة تقهقر يخفضون رؤوسهم أو يتجهون لكتابة زوايا صحفية - كتلك التي كتبها نيكولاس كريستوف في نيويورك تايمز الإسبوع الماضي - يحاولون فيها توضيح المخاوف التي كانت لديهم وإن لم تتحقق.
إن تحذيراتهم من أن الانتصار في تحقيق السلام سيكون أكثر صعوبة من الانتصار العسكري تبدو مع ما فيها من صحة كما لو أنها غير ذات معنى.
في هذه الأثناء يحلق الصقور عاليا، في البيت الأبيض، يصدر المتحدث الرسمي آري فليشر بشكل دوري تهديدات جديدة بصورة شبه يومية.
في أول القائمة كانت سوريا التي اتهمت بإيواء مسؤولي حزب البعث العراقي الهاربين وتخزين الأسلحة الكيماوية والبيولوجية العراقية وتزويد جارتها بمعدات عسكرية أثناء الحرب، غير أن جورج دبليو بوش قام بتهدئة الأمر قائلاً إن سوريا تبدي مؤشرات جديدة بالتعاون لكن الرسالة - لا تعبث معنا - جرى توصيلها واستلامها على الأرجح.
في الأسبوع الماضي قال فليشر للصحفيين إن الإيرانيين جرى إبلاغهم بالتوقف قال: قلنا لإيران بشكل واضح إننا نرفض التدخل الخارجي في طريق العراق نحو الديمقراطية.
إذن ما هي وجهة إدارة بوش؟ ربما تكمن الإجابة في منشورات مجموعة مؤثرة متنامية من المحافظين الجدد مرتبطة ب «مشروع القرن الأمريكي الجديد» وهو مجلس خبراء جرى إنشاؤه في واشنطن في عام 1997 بهدف السعي لنشر التأثير الأمريكي عبر الكرة الأرضية من خلال الوسائل الدبلوماسية متى أمكن وبالقوة العسكرية متى كان ذلك ضروريا. حث المجلس الحكومة على التحرك عسكريا ضد صدام حسين واستعراض قوتها في مواجهة الدول المارقة الأخرى، قائلا إن أمريكا باعتبارها القوة العظمى الوحيدة لديها فرصة تاريخية فريدة لإعادة تشكيل العالم. لكن أكثر من ذلك إن لديها أيضا واجبا حسب ما يقول إعلان المبادئ الخاص بالمشروع لكي تتحمل المسؤولية في المحافظة على - وتوسيع - نظام عالمي ودود بالنسبة لأمننا وازدهارنا ومبادئنا.لقد تبنى بوش إلى حد كبير أجندة «المشروع» التي تضمنت غزو أفغانستان والعراق والدعوة لزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي لضمان قدرة الولايات المتحدة على الانتصار في حربين رئيسيتين في وقت واحد غير أن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة تقوم بالتحضير لمغامرة جديدة في الشرق الأوسط كما يقول دونيللي وهو عضو بارز بمعهد العمل الأمريكي المحافظ جدا وقام بكتابة أحد الفصول الرئيسية«بالمشروع» ينفي دونيللي أن تكون دمشق هي الهدف التالي ويقول إن الولايات المتحدة بغزوها للعراق قد أوضحت للعالم ما هي مستعدة للقيام به.
ويقول أعطينا صدام فرصا لا تحصى لتغيير أساليبه لكنه لم يفعل. يعتقد البعض في الإدارة أن قلق الدول المارقة من وضع الولايات المتحدة أصبعها على الزناد قد لعب دورا في تغيير اتجاه كوريا الشمالية للموافقة على مفاوضات الأسبوع الماضي مع واشنطن حول برنامجها الخاص بالأسلحة النووية.
المشكلة كما يراها روبرت مالي المستشار السابق في ادارة كلينتون تتمثل في أن الخوف ليس بوسيلة عملية للتعليم. ويقول يمكنك أن تحقق الكثير من خلال التهديد والقوة العسكرية لكن عندئذ لن يكون ما نقوم بتصديره هي القيم الأمريكية. بل الخوف من القوة الأمريكية لكن مالي لا يعتقد بأن الولايات المتحدة مجنونة بالقوة. وهو يقول ان العراق كان حالة خاصة تجمعت فيها عدة أمور، من بينها القلق بشأن أسلحة الدمار الشامل، الخوف من أن يقوم صدام بتسليح الإرهابيين، والرغبة في أوساط المحافظين الجدد لإسقاط نظام قمعي عربي كدرس للآخرين.
(*) «ماكلين» الكندية
|