* واشنطن - هيوارد لافرنشي*
يحظى وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بدعم شعبي واسع في أمريكا لمحاولته مناقشة الأساليب المختلفة التي تتعامل بها أمريكا مع العالم وذلك عندما يزور هذا الوزير العاصمة السورية دمشق.
وفي الوقت نفسه فإن صقور وزارة الدفاع «البنتاجون» وأنصارهم داخل الإدارة الأمريكية يحاولون عرقلة تحرك باول.
فبعد أسبوع من قيام الوزير باول بإرسال مساعده لشئون شرق آسيا والمحيط الهادي إلى العاصمة الصينية بكين لإجراء محادثات مثيرة للجدل مع الكوريين الشماليين قام الوزير نفسه بزيارة العاصمة السورية دمشق رغم المعارضة العنيفة لمثل هذه الزيارة من جانب صقور الإدارة الأمريكية خاصة وأن وزارة الخارجية الأمريكية نفسها مازالت تضع سوريا ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب التي تصدرها الوزارة سنويا، والحقيقة أن أغلب الانتقادات التي تتعرض لها سياسة باول تأتي من وزارة الدفاع أو من أنصار وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذين يؤمنون بسياسة «الأبيض والأسود» في التعامل مع الدول الأخرى.
وعلى الرغم من استمرار معسكر الصقور في الحديث عن التحولات الكبرى في السياسة الأمريكية تجاه العالم واعتماد القوة العسكرية وسيلة قريبة وفعالة للتعامل مع هذا العالم منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 إلا أن موقفهم أصبح أكثر قوة وصوتهم أصبح أكثر ارتفاعا بعد الانتصار الأمريكي السريع في الحرب ضد العراق.
يقول كارل إيندفورث المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشئون جنوب آسيا ان أسلوب باول يعد أكثر إيجابية وأقل تهديدا لبقية دول العالم.
ولكن باول نفسه أصبح مستهدفا من جانب هؤلاء الذين يرفضون أسلوبه في التعامل مع السياسة الخارجية خاصة بعد الانتصار السريع في العراق.
ويحذر الخبراء والدبلوماسيون في داخل الإدارة الأمريكية وخارجها من ازدياد نفوذ معسكر القوة العسكرية داخل هذه الإدارة على حساب معسكر التحرك الدبلوماسي في التعامل مع الأزمات العالمية.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى استراتيجية الأمن القومي الأمريكية التي أعلنها الرئيس بوش في سبتمبر الماضي باعتبارها دليلا على زيادة نفوذ معسكر الصقور.
ففي هذه الاستراتيجية أكد الرئيس بوش على تبني خيار الحروب الوقائية أو الإجهاضية والتي كانت الحرب ضد العراق أولى تطبيقاتها.
كما تتضمن هذه الاستراتيجية عدم السماح ببروز أي قوة عسكرية في العالم يمكن أن تثمل تهديدا محتملا لانفراد أمريكا بالتفوق العسكري في العالم.
ويقول الخبراء ان هناك الكثير من المجالات التي ستشهد صراعا داخل الإدارةالأمريكية حول السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش مثل إعادة بناء ما دمرته الحرب الأمريكية في العراق والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والأزمة النووية لكوريا الشمالية والعلاقات الأمريكية الصينية والعلاقات مع الأمم المتحدة.
فعلى سبيل المثال طرحت الإدارة الأمريكية مؤخرا خريطة الطريق لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهي الخطوة التي ظل وزير الخارجية باول والكثير من الأطراف الدولية يضغطون على إدارة بوش من أجل القيام بها ولكن معسكر الصقورالذي يقوده وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يشككون في إمكانية نجاح هذه الخطة لأنها تتضمن ضغوطا على كل من الفلسطينيين والإسرائيليين لتقديم تنازلات مؤلمة للطرفين كما يشكك رامسفيلد في رغبة باول في إجراء محادثات مع أطراف معادية لأمريكا لذلك فإن رامسفيلد كان يريد إرسال مساعده جون بولتون وهو محسوب على معسكرالصقور للمشاركة في محادثات بكين بين المسئولين الأمريكيين والكوريين الشماليين ولكن باول رفض هذا الطلب كما شن عضو مجلس النواب الأمريكي السابق نيوت غينجريتش الذي اختاره رامسفيلد لينضم إلى مجلس سياسات الدفاع التابع للبنتاجون شن حملة انتقادات عنيفة ضد باول وسياساته الخارجية.
وقال ان زيارة باول إلى سوريا مثيرة للسخرية وقال ان وزارة الخارجية الأمريكية أصبحت تحت قيادة باول مجرد آلة محطمة. ورغم هذه الحملة العنيفة من جانب الصقور فإن استراتيجية باول الدبلوماسية تجد صدى إيجابياً قوياً لدى الشعب الأمريكي حتى بعد الحرب.
فقد كشف استطلاع للرأي أجراه على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية برنامج الاتجاهات نحو السياسة الدولية بجامعة ميرلاند الأمريكية بعد الانتصار العسكري في العراق عن تزايد التأييد الشعبي الأمريكي لفكرة العمل الجماعي مع المجتمع الدولي. يقول ستيفن كول مدير البرنامج ان السؤال المطروح هو ما إذا كانت الحرب ضدالعراق قد جعلت الأمريكيين أكثر ارتياحا مع ممارسة دور أكثر سيطرة على العالم والتحرك بصورة فردية؟ ولكن الإجابة كانت بالنفي.
وأضاف ستيفن كول: ان أغلبية الأمريكيين أكدوا أن الولايات المتحدة تمارس حاليا دورا أكبر مما ينبغي على مستوى العالم وأنه لا يجب أن تشعر أمريكا بأنها بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين بدون دعم الأمم المتحدة أن تشعر بأنها أكثر حرية في شن المزيد من الحروب بدون مساندة الأمم المتحدة كما قال تسعون في المائة ممن شملهم استطلاع الرأي أن على الولايات المتحدة أن تتشاور مع الأمم المتحدة بشأن ترتيب الأوضاع في العراق بعد الحرب وهو الموقف الذي يتبناه كولن باول داخل الإدارة الأمريكية.
كما أكد سبعون في المائة منهم على ضرورة تسوية الخلافات مع سوريا عبر الحوار والدبلوماسية وهو أيضا ما يدعو إليه باول.
ورغم ذلك فإن إنديفورث الذي يعمل حاليا استاذا للعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن يقول ان السؤال عن المعسكر الذي سينتصر في الصراع داخل الإدارة الأمريكية حول كيفية التعامل مع أزمات كوريا الشمالية وإعادة بناء العراق والشرق الأوسط مازال ينتظر الإجابة.
* خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص بـ «الجزيرة»
|