يستفزني كثيراً أن تسيطر على المطروح في بعض الصحف ومنتديات الإنترنت والفضائيات..
فكرة أن مجتمعنا يتكوَّن من مجاميع بشرية من الدهماء الذين يساقون سوقاً إلى حيث يُحدد لهم مسبقاً ويخطط لهم مسبقاً..
من مختلف وجهات النظر المنادية ببقاء كل شيء على ما هو عليه حتى لو كان خاطئاً فيكفيه أنه قديم ومتوارث ومعتاد عليه وحتى لو لم يتعارض تغييره مع قواعد دينية لا اختلاف عليها.. وان الناس باتجاههم إلى الحديث إنما هم يساقون سوقاً!
أو وجهة النظر الأخرى التي تنادي بالانتفاض على كل ما هو معتاد وتنظر على أن القديم والسائد هو مدعاة للتأخر الاجتماعي وهو المسؤول عن انحراف السلوك السلمي لدى المجتمع.
حتى لو كان هذا القديم يحمل كثيراً من الإيجابيات وإن الناس برفضهم الحديث إنما يساقون سوقاً!
** والحقيقة أن المجتمع فيه من الخير ما هو مختلف تماماً عما نقرأه ونطلع عليه في هذا الخصوص..
وإن الناس مجتهدون في أعمالهم يحملون قياد أنفسهم وتفكيرهم ويشكلون هوياتهم الثقافية ويحسبون خطواتهم تماماً قبل إحداث تعديلات جوهرية في حياتهم.. أو رفضها مطلقاً فهم ليسوا في مجملهم مجموعة من الدهماء الذين يقادون يميناً وشمالاً.. بتأثير خارجي أو داخلي.
** والحقيقة الهامة التي لا يمكن أن تغيب عن المراقب بسيكولوجية الإنسان السعودي..
إنه إجمالاً إنسان متريث.. يحكمه العقل كثيراً في تحولاته ولذا فإن سريعي التغيّر في الاتجاهين لا يشكلون قلقاً كبيراً على خارطة المجتمع السعودي..
فالمعتدلون والوسطيون هم الفئة الغالبة التي تزن الأمور بميزان الدين الصحيح أولاً ثم تنطلق برؤاها إلى حيث ما فيه خير الإنسان في دينه ومعاشه ومصالحه السياسية والعلمية والاقتصادية والفكرية..
وإذا كانت الحكمة هي ضالة المؤمن.. فإن الإنسان السعودي يملك بإرثه الثقافي الباهظ ومخزونه الاجتماعي الكبير من التجارب ما يجعله قادراً على أن يضع له صيغة متوازنة تساهم في تضييق الهوة بين المختلفين في طريقه الباحث عن الحكمة..
** وأتصور أن إشراك علماء الدين وعلماء النفس والمجتمع والتاريخ في وضع تصورات إعلامية لتوجيه الناس وتوعيتهم بأهمية الحوار والاختلاف والقبول والرفض للآراء المتداولة والراغبة فعلاً في الإصلاح وأن يعتاد المتحاورون على عدم المساس بالأشخاص والتعريض بهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان ينتقد الأفعال ويصرح بها ويلمح للأفراد بمفردات مثل أقوام أو أناس ولا يخص أحداً.. وهذا أساس التربية الإسلامية الصحيحة في الحوار والانتقاد.
ولو انتقدنا الأفعال لكان ذلك أدعى للمصداقية والرغبة في الإصلاح.. كما أن المجتمع بحاجة لكي يعي أن الحصانة هي لكل ما هو آتٍ من عند الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام..
أما ما جاء عن البشر وما صدر عنهم فهو قابل للصح والخطأ ولا يصل إلى صفة القدسية والأخذ والرد فيما دون ذلك هو أمر حتمي، فنعمة العقل أعطيت للإنسان ليتأمل ويتدبر ويخلف الله في أرضه بالعطاء والبناء وإشاعة الخير أنَّى ولَّى وجهه.
|