يهتم علم الاقتصاد التقليدي بايجاد الحلول المناسبة لما يسمى بالمشكلة الاقتصادية والتي ترتكز على فكرة بسيطة مؤداها ان الموارد الاقتصادية المتاحة لأي مجتمع وللعالم ككل نادرة بالنسبة للحاجات الانسانية المطلوب اشباعها. فما يمكن ان تنتجه الموارد الاقتصادية من سلع وخدمات لا يمكن ان يكون كافيا للوفاء بجميع الحاجات الانسانية، وبناء على هذه الفكرة ظهر علم الاقتصاد وسعيه المستمر والدائم لايجاد الحل الأمثل لهذه المشكلة.
وقد أدى التطور الهائل في السنوات الأخيرة في تقنية المعلومات والاتصالات، وما ترتب على ذلك من امكانية التوسع في انتاج العديد من الخدمات وجعل القدرة على التوسع في انتاجها أو استهلاكها والاستفادة منها غير محدودة، الى ظهور تساؤلات حول ما إذا كانت الندرة ما تزال فعلاً هي موضوع علم الاقتصاد المعاصر.
إن اعتماد الاقتصاد المعاصر على تقنية المعلومات والاتصالات بشكل كبير أحدث انقلابا في العديد من المفاهيم الاقتصادية والتي ترتكز على الندرة سواء من حيث التكاليف أو التسعير أو تخصيص الموارد الاقتصادية وغير ذلك. وهذا بسبب ان المعرفة والعلم لا تتناقصان مع استخدامهما والاستفادة منهما بل انهما يتزايدان وكفاءتهما تتزايد بعكس الموارد الاقتصادية التقليدية والتي تتناقص في الكمية والكفاءة نتيجة للتوسع في استخدامها. ولعل هذا ما جعل بعض الكتاب في الاقتصاد يسمون الاقتصاد المعاصر باقتصاد الوفرة بدلا عن اقتصاد الندرة.
وهذه المفاهيم وان كانت لا تزال في طور التشكل ويمكن ان تزد عليها العديد من التساؤلات إلا ان نصيبا كبيرا من الواقعية والصحة وربما تحتاج الى فترة زمنية ليست بالطويلة لتكون أكثر اقناعاً. خاصة وأنها تشكل -في بعض - جوانبها تصادما مع مفهوم الندرة والذي ساد ولا يزال سائداً منذ مئات السنين.
وبعيداً عن الجدل الفلسفي في هذ الموضوع، فإنه من الواضح ان تقنية المعلومات والاتصالات توفر الأساس لقيام جوانب الاقتصاد المعاصر مثل انتاج العديد من الخدمات والتي أصبحت تشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي للعديد من الدول المتقدمة صناعياً والنامية، اضافة الى أنها تشكل الأساس لوجود التجارة الالكترونية والعمليات المصرفية الالكترونية والنقود الالكترونية والتي في حال شيوع استخدامها ستحدث ثورة في آليات العمل التقليدية للقطاع المصرفي وأدواته الرقابية والاشرافية.
اضافة الى ذلك أصبحت الانترنت احدى الأدوات التي تمكن العاطلين عن العمل انشاء مشروعات مناسبة وبتكلفة متدنية أو الحصول على فرص عمل. وكذا قدرتها على خفض تكاليف الانتاج والتسويق والوصول الى المنتجين والمستهلكين.
ولذا فإنه ليس بمستغرب اعتبار تقنية المعلومات والاتصالات البنية التحتية للاقتصاد الجديد، لا غرابة أيضا في وضع صانعي القرار في كثير من دول العالم لهما في مقدمة أولويات الحكومة واهتماماتها. وما ينبغي ادراكه في هذا الجانب هو ان تقنية المعلومات والاتصالات لم تعودا مجرد وسيلتين لأداء بعض المهام أو أنهما أدوات ترفيهية - كما يحلو للبعض ان يتصورهما - بل إنهما أصبحتا البنية التحتية للاقتصاد الجديد، وبالتالي فالتعامل معهما لابد وان ينطلق من هذا المنطلق من حيث تخصيص الموارد من أجل توفيرها واتاحة الاستفادة للجميع بأقل تكلفة وإلا فإن قدرة الاقتصاد على السير في العملية التنموية لن تكون عالية وكذا قدرته على المنافسة في الأسواق العالمية.
(*) قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
جامعة الإمام محمد بن سعود
|