من الأساليب الصهيونية التي كرسها الإسرائيليون في تعاملهم مع الفلسطينيين سواء في إجراء التفاوض أو في إبرام الاتفاقيات وخطوات تنفيذها، أو في وضع العراقيل والمبررات التي تصبح بالتقادم وبما يسمى «الأمر الواقع» عقبة يجعل منها الإسرائيليون مادة للتفاوض تغطي على ما قبلها من حالات وأوضاع كان من المفروض ان تؤدي المفاوضات السابقة إلى حلها، فتضاف إليها حالات أخرى، لتتراكم الحالات وتتواصل المفاوضات إلى ما لا نهاية، وتصبح التجاوزات الإسرائيلية، أمراً واقعاً يتمسك الصهاينة به ولا يقبلون حتى مجرد الحديث عنها وليس التفاوض، وهو ما يجري الآن حول المستوطنات التي يصر العتاة من الصهاينة على أنها «وضع طبيعي» لاستيعاب التمدد والتوسع للسكان الإسرائيليين واستيعاب مزيد من المستوطنين من اليهود القادمين..!!
وفي غمرة ورطة المستوطنات والبحث عن وسيلة لاستئصال الورم الاستيطاني الصهيوني، أوجد الإسرائيليون «مشكلة أخرى» ستصبح إن لم تكن قد أصبحت فعلاً مشكلة كبيرة لا تقل خطورة عن الاستيطان، استطاع الإسرائيليون صنعها تحت بصر الأمريكيين «وسطاء السلام» دون ان يحركوا ساكناً، فالجدار الفاصل أو الجدار الأمني الذي بدأ تنفيذه في عهد أرييل شارون «مشكلة كبيرة» يرى فيها حتى الكُتّاب الإسرائيليون عقبة جديدة في طريق السلام، إذ يرى جدعون ليفي المختص في حقوق الإنسان والذي تنشر الصحف الإسرائيلية كتاباته، يرى أن الجدار الفاصل يجسد التناقض الموجود بين الإسرائيليين والفلسطينيين في هذه البلاد، فالإسرائيليون يعتبرونه أُمنية، أما الفلسطينيون فيرون فيه تهديداً وجودياً لهم.
من الممكن أن نبدأ بالكلمات: الجدار الفاصل هو بالنسبة للإسرائيليين مثل اسمه (جدار فاصل) أما بالنسبة للفلسطينيين فهو «جدار ابرتايد» «تفرقة عنصرية». بالنسبة للإسرائيليين يعتبر هذا الجدار أُمنية، أما بالنسبة للفلسطينيين فهو يشكل تهديداً وجودياً.
مرة أخرى نجد أن الأمل الواعد بالنسبة لطرف واحد يعتبر قلقاً وخوفاً بالنسبة للطرف الآخر. حل سحري لرغبة الارهاب في نظر الكثير من الإسرائيليين، يساراً ويميناً، إلا أنه بالنسبة للفلسطينيين صدع وشرخ كبيران.. فمرة أخرى لا يفهم هذا الطرف ذاك ولا يقوم أحد الشعبين بمحاولة تخفيف مخاوف الطرف الآخر.
الإسرائيليون لا يملكون تصوراً للثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون عن هذا الجدار.
بعد المستوطنات والمواقع الاستيطانية والطرق الالتفافية والمصادرات والطوق والاغلاق والبطالة وحظر التجول، تسقط على رأسهم الآن هذه المصيبة التي تطال آلاف السكان الذين يقطنون في منطقة الجدار، والذين أصبحوا ضحايا من دون ذنب اقترفوه. الفلاحون الذين صودرت حقوقهم وكرومهم، والرعاة الذين فقدوا مراعيهم، أصبحوا الآن عاطلين عن العمل وخسروا آخر مصدر رزق يقتاتون منه مرة أخرى، والقرى التي عُزلت عن مصادر عيشها كل هؤلاء لا يجدون من يكلف نفسه التحقق مما ينتظرهم ومما سيحدث لحياتهم بعد أن قام جيش من الجرافات باجتياح أراضيهم.
الكراس الإعلامي الأخضر الذي أعدته منظمات البيئة الفلسطينية يورد المعطيات والأرقام تحت اسم «حملة جدار الابرتايد»: 2 في المائة من أراضي الضفة ستصادر في المرحلة الأولى، 30 قرية على الأقل ستفقد جزءاً من أراضيها، 15 قرية ستحبس بين الجدار والخط الأخضر، 160 180 ألف دونم ستتعرض للمصادرة. 30 عين ماء ستصبح معزولة عن مالكيها كل هذا في المرحلة الأولى فقط، وفي شمالي الضفة وحده. صحيفة «القدس» كتبت ان الفلاحين الذين بقيت حقولهم خلف الجدار سيضطرون لدفع ضريبة مرور للإسرائيليين بقيمة عشرة شواقل على الرأس الواحد كلما رغبوا في التوجه إلى حقولهم. الإدارة المدنية تنفي هذا النبأ، إلا ان الفلاحين الذين قابلناهم في هذا الأسبوع عَبَّروا عن سرورهم من صحة هذا النبأ المخيف، ذلك لأنهم كانوا يخشون فقدان أراضيهم كلياً. ولكن هناك تساؤلات كثيرة تحيط بهذا الترتيب أيضاً، فمن الذي يضمن لهم بأن الأمور ستسير على هذا النحو؟ وأين سيطبق هذا النظام؟ وماذا سيحدث بعد العملية الأولى التي تنفذ؟ فمنذ اليوم مثلاً لن يُسمح لهم بالوصول إلى حقولهم حتى من قبل ان يستكمل الجدار.
|