* القاهرة مكتب الجزيرة - شريف صالح:
قرار الرياض واشنطن بمغادرة القوات الأمريكية لقاعدة الأمير سلطان إلى قاعدة العديد القطرية في موعد اقصاه اغسطس القادم .. حظي بردود فعل واسعة حول أهمية القرار ودلالاته وتأثيره على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، البعض يرى ان القرار كان متوقعا لاسباب كثيرة، وآخرون اعتبروه يكشف عن تدهور غير مسبوق في العلاقات. اضافة إلى محاولات تسخين الأجواء وطرح تكهنات مبالغ فيها.
ويمكن فهم تباين ردود الفعل في ضوء العمق التاريخي للعلاقة بين البلدين، والتغيرات في المنطقة، وما تمثله المملكة من ثقل سياسي في العالم العربي والإسلامي لا يرتكز فحسب على مخزونها النفطي وانما على خصوصيتها الدينية بالاساس.
ولعل اقرب توصيف للقرار أنه خطوة في مصلحة البلدين كانت ستحدث ان آجلا او عاجلا. وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد اشارت إلى الجدل بخصوص تواجد القوات الأمريكية وانها ستغادر لاحقا عقب انتهاء الازمة العراقية لكن المصادر الرسمية في البلدين اعتبرت ذلك مجرد تكهنات. وهذا يشير إلى ان الفكرة ليست جديدة ومطروحة حتى قبل احداث 11 سبتمبر.
وكان الأمير تركي الفيصل سفير خادم الحرمين الشريفين لدى لندن، قد رجح ان المملكة ستطلب من القوات الأمريكية مغادرة أراضيها بمجرد حل الازمة العراقية ولكن كما يقول ريتشارد ميرفى سفير الولايات المتحدة الاسبق في المملكة وعضو مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك فانه لا توجد دولتان في العالم لهما مصالح متطابقة، ولا يشذ عن هذه القاعدة أي من الولايات المتحدة أو المملكة العربية السعودية فهناك قضايا يتخالف فيها كل منهما ولا يتفقان وتطفو الفوارق على السطح عندما يواجه كل منهما مشكلات تواجه الجميع في هذا القرن الجديد القلق.
وهذا تأكيد واضح على ان العلاقات مع واشنطن تقوم على الاحترام والندية والمصالح المشتركة وليس على التبعية واملاء الارادات كما يروج اصحاب الخطاب المتشدد الذي تعامل مع الوجود الأمريكي كأنه حالة شاذة لم تحدث سوى في المملكة وحدها رغم انه قائم في العديد من دول العالم في آسيا واوربا وفى اكثر من بلد عربي في اطار اتفاقيات ثنائية واقليمية وبالتالى لايجوز تضخيمه والتعامل معه على نحو يفتقر للموضوعية .
وما من شك في ان هذا الوجود في مجيئه وفى رحيله استمد شرعيته من تهديد أمن المملكة على نحو مباشر ابان حرب الخليج الثانية وتم التعاون العسكري بين البلدين تحت مظلة الشرعية الدولية ومن خلال تحالف دولي كبير وليس صوريا كما حدث مؤخرا.
ونظرا لاستمرار نظام صدام وما يمثله من خطورة على اسقرار المنطقة تواصل الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية في مناطق الحظر الجوي مع التشديد على عدم ضرب العراق من اراضي المملكة وعدم المشاركة في الحرب طالما كانت بعيدا عن المظلة الدولية.
ولا شك ان هذا جعل الولايات المتحدة تفكر في بدائل اخرى لشن الحرب مثل قواعدها في تركيا أو دول اخرى ورغم تعثر المفاوضات العسكرية مع الاتراك لم يقل احد ان العلاقة بين انقرة وواشنطن وصلت إلى الحضيض .
بل كان هناك تفهم أمريكي للمخاوف وللمطالب التركية على السواء، ويمكن قول الشيء نفسه فيما يتعلق بموقف الرياض من الحرب الاخيرة وهو موقف واضح منذ البداية ومعلن وبسقوط نظام صدام حسين ظهرت حقائق جديدة فرضت نفسها على الساحة اولها انتفاء المخاطر التي تبرر وجود هذا العدد الهائل من القوات الأمريكية اضافة إلى ان العراق نفسه اصبح بمعنى من المعانى وحتى اشعار آخر قاعدة كبيرة لتمركز القوات الأمريكية، كما ان قطر حرصت على تقديم نفسها كحليف مهم لواشنطن وقبلت نقل القوات إليها وقيام هذه القوات بأي عمل عسكرى «أي قبول غير مشروط وهو ما يختلف جذريا عن موقف المملكة» فبالنسبة للمملكة كان هذا التواجد مشروطا من البداية ومسببا ومن ثم فمغادرة هذه القوات بمثابة وفاء للعهد الذي قطعه خادم الحرمين الشريفين مع انتفاء الحاجة لهذه القوات بعد سقوط صدام واستجابة للرأي العام السعودي المستاء من سياسة الصقور المزدوجة تجاه القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية والازمة العراقية وبعض الاستطلاعات يشير إلى ان 97% من ابناء المملكة لا يكنون مشاعر ايجابية للسياسة الأمريكية في المنطقة وهذا امر يجب اخذه في الحسبان ويمكن اضافة سبب آخر وهو حرص المملكة قيادة وشعبا على مكانتها في العالم الإسلامي وهو ما يتعارض مع سياسة اليمين المتشدد في ادارة بوش.
أي ان القرار يحقق مصلحة متبادلة للطرفين في ضوء المستجدات بالمنطقة أكثر من القول باعتباره دلالة على تدهور العلاقات بينهما وهو ما اكده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني ووزير الدفاع في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الأمريكي دونالد رامسفيلد .
قريبا من هذا يذهب الدكتور حسن نافعة استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي يرى ان هذه الخطوة لم تكن لتتم لولا ان وجدت الولايات المتحدة بدائل مهمة في قطر وفي العراق ايضا وان هذا القرار يضرب اكثر من عصفور بحجر واحد على حد تعبيره فهو من ناحية يثبت ان الولايات المتحدة لديها الآن بدائل كثيرة بعيدا عن الشروط والضغوط السعودية التي تبدت في الحرب الاخيرة ، ومن ناحية اخرى يحترم الخصوصية الدينية للمملكة ويجنب تعرض القوات الأمريكية للخطر .
ويرفض فرانسوا جير المحلل السياسى المقيم في باريس فكرة ان يكون القرار الأمريكي انتصارا لابن لادن.
ويضيف: كل ما يمكن قوله ان الولايات المتحدة تمر بعملية كبيرة لاعادة توزيع قواتها في انحاء الشرق الاوسط ومنطقة الخليج.
في المقابل يصف سايمون هندرسون المتخصص في الشؤون السعودية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى القرار بأنه تغير مادي يتماشى مع التغير الذهني الذي حدث بالفعل. في اشارة إلى تراجع التحالف بين البلدين. و ايضا المحلل العسكري بول بيفر يرى ان هذه الخطوة تقلل اعتماد الولايات المتحدة على السعودية كما تفتح الباب امام فرصة ان يصبح العراق قاعدة أمريكا المفضلة في المنطقة. لكن عددا آخر من المحللين و الدبلوماسيين يرون ان سحب القوات تعديل جديد يحظى بترحيب قد يحسن من العلاقات الأمريكية السعودية. ويؤكد خبراء شؤون العلاقات الأمريكية السعودية أن الظروف الجديدة التي خلقها انهيار النظام العراقي، ومن قبله أحداث سبتمبر الإرهابية، فرضت بعض التعديلات على مسار العلاقات بين واشنطن والرياض، بما في ذلك نقل مركز قيادة العمليات الجوية الأمريكية من قاعدة الأمير سلطان إلى قاعدة العديد القطرية، وبالتالي، تخفيض حجم القوات الأمريكية في المملكة، وهو أمر سيسعد به كثير من السعوديين .
|