* رام الله - نائل نخلة:
ستيفن سمارك، ولد في ألمانيا عام 71، عاش مع عائلة تعتنق المذهب الكاثولوكي المسيحي، انفصل الوالدان عن بعضهما البعض وهو في سن السابعة، ليعيش بعدها مع والدته التي تزوجت من بريطاني وانتقلت لتعيش معه هناك .
ادخل سمارك إلى مدرسة عسكرية خاصة في بريطانيا حتى السابعة عشرة من عمره كانت والدته تزوره فيها مرة واحدة كل شهر ليعود بعدها وحده إلى ألمانيا، مسقط رأسه وهناك انفصل عن عائلته وأقام مع عدد من أصدقائه في شقة خاصة، ولأنه كان يملك الخبرة والثقافة العسكرية دخل في صفوف الجيش البريطاني، وخدم فيه مدة أربع سنوات قبل ان تنتهي خدمته وينخرط في صفوف المافيا المسلحة.
يقول سمارك كان عملي في المافيا يقتصر على شراء المومسات والعاهرات من منطقة الحدود الغربية لألمانيا وينقلهن إلى سوق الدعارة في البلد وبعد ثلاثة شهور تركت هذا العمل، وانتقلت بعدها للعمل في المخدرات، إلى ان ألقي القبض علي بتهمة تعاطي المخدرات والمتاجرة فيها وحكم علي بالسجن أربعة عشر شهراً قضيت منها ستة شهور في السجن وأفرج عني عام 1995.
نقطة التحول
كان واضحا لسمارك انه يعيش بدون أي مستقبل أو هدف يسعى لتحقيقه، فحياته لا تزيد عن شاب جل وقته غائب عن الوعي بفعل الكحول ومدمن على المخدرات وغارق في الدعارة والجنس، خرج من السجن وفي قلبه شيء من الندم والتوبة، اراد ان يكفِّر عن ذنوبه وخطاياه ولأنه نشأ وترعرع في اسم الكنيسة وبركات الحبر الاعظم، توجه إلى اقرب كنيسة في حيِّه ويقول: دخلت إلى الكنيسة وكنت عاقد العزم على تغيير طريقة حياتي، وجلست فيها مدة 20 دقيقة وخرجت، وشعرت انني زدت ضياعا وتيها اكثر مما سبق فلم اجد ما كنت ابحث عنه في الكنيسة.
يقول سمارك كنت أسمع بشكل يقترب من الهمس بدين يسمى الإسلام، فقررت استكشاف هذا الدين، ذهبت إلى صاحب متجر كنت اعرفه من قبل وهو تركي مسلم وسألته عن الإسلام وكيف يمكن للشخص ان يعتنق هذا الدين فاخبرني انه يمكن لي ذلك بمجرد الاستحمام ثم النطق بالشهادتين وهما «اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله» ثم الوضوء والصلاة، وقد كتب لي جميع تعاليمها على ورقة فأخذتها معي وعدت إلى البيت.
جلس ستيفن يمعن النظر في الورقة والتعاليم التي قدمها له هذا التركي المسلم، وبعد يومين استحم اسمارك وتوضأ ومن ثم نطق بالشهادتين كما هي مكتوبة له وذهب إلى المسجد القريب وكانت صلاة العصر هي أول صلاة له في الإسلام، وغيَّر اسمه إلى عبد الكريم سيف الرحمن.
كلماته الأولى في الإسلام ... الشهادة
ويقول سيف الرحمن اول دعاء توجهت به إلى الخالق بعد ان رفع يديه إلى السماء: اللهم اني أتبرع اليك بدمي دون ان يعرف ماذا تعني الجنة أو النار أو يوم الحساب وغيرها من الامور. ويرفض سيف الرحمن الحديث عن حياته بعد الإسلام في ألمانيا، مكتفيا بسرد تفاصيل ما حدث معه عند اعتقاله في احد مطارات الدولة العبرية قائلاً.
ألمانيا ... إيطاليا ... تل أبيب
كنت دوما ارغب في زياة فلسطين الحبيبة على قلبي كثيراً، وعندما سنحت لي الفرصة في 28- 11-1997 توجهت بالقطار من ألمانيا إلى ايطاليا ومن هناك استقللت طائرة مسافرة إلى هنا.
وفي مطار اللد الدولي كان في استقبال سيف الرحمن مجموعة من جهاز المخابرات الصهيونية «الشاباك» الذين اخضعوه لتحقيق ميداني في قاعة استقبال القادمين في المطار، يقول سيف الرحمن حقق معي لاكثر من اربع ساعات وكانت المخابرات تدعي التخطيط لتنفيذ عملية استشهادية داخل الدولة العبرية والعمل على تقييم وتأسيس خلايا عسكرية تابعة لمنظمة حزب الله اللبنانية.
طبعا سيف الرحمن انكر جميع التهم الموجهة إليه، واستمر التحقيق معه اكثر من اربعة اسابيع دون جدوى.
سيف الرحمن ... في قفص الاتهام
نقلوه إلى سجن عسقلان المركزي في جنوب فلسطين المحتلة عام 48، واصدرت محكمة عسكرية صهيونية حكماً بالسجن عشر سنوات على تهم هو لم يعترف بها وانما لفقت عليه بشكل مقصود.
يعيش الآن سيف الرحمن مع عائلته من الاسرى، شباب فلسطين المقاومين، الذين وفروا له كل وسائل الراحة والحياة الكريمة في السجن، فآثروا على انفسهم من اجل اخيهم ورفيق دربهم سيف الرحمن.
يوجد فرق بين الحياة التي كنت أعيشها في الغرب وخصوصا ألمانيا موطني الأصلي حيث كانت الدنيا كانت مفتوحة أمامي على مصراعيها، فجربت كثيراً من متاعها، ولكني لم أجد السعادة والراحة والطمأنينة التي كنت أريدها وأبحث عنها إلا بعد إسلامي حتى وإن كنت في سجن عسقلان الصحراوي، حيث يقول الرسول الكريم «إذا أحب الله عبدا ابتلاه» ويقول أيضاً الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
ويضيف وجودي في السجن أفضل لي من أن أكون في متاع ألمانيا الزائف الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وأنا سعيد بين إخواني الفلسطينيين الأحبة، وأعلم أن ذلك تكفير عن ستأتي إن شاء الله.
بهذه الكلمات بدأ حديثه عبد الكريم سيف الرحمن من داخل سجن عسقلان المركزي في جنوب فلسطين المحتلة، حيث يقبع فيه نحو 800 اسير فلسطيني يقضي حكمه البالغ عشر سنوات.
وعن السجن يقول عبد الكريم سيف الرحمن عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والحمد الله أنني تعرفت على الشباب الفلسطيني وعلى فلسطين التي أحببتها وأحببت شبابها وترابها والقدس الإسلامية وفي المقابل عرفت اليهود عن قرب لأنهم عندنا في الغرب يضللون الشعوب عن طريق التلفاز أو الاعلام، لكن من يعيش هنا يعرف حقيقة الاحتلال ومن هم اليهود يعرف قذارتهم، وقد تعلمت في السجن الصبر على الشدائد والابتلاء.
ولعل أهم ما تعلمته في السجن الكثير من الدين الحنيف واللغة العربية ويقول عبد الكريم سيف الرحمن أنا أحترم كل الشباب الفلسطينيين الذين التقيت بهم وأعتبر نفسي واحداً منهم، فأنا أحببتهم وهم أحبوني ولم أجد منهم إلا كل محبة وود وقرب ولم يشعروني بالغربة، بل كل منهم يتسابق ليساعدني وأنا سعيد جدا معهم وقد عشت مع كل الفصائل في غرفهم ووجدت الترحيب والمحبة التي فقدتها طوال حياتي في الخارج وعرفت معنا الأخوة الحقيقية بين المسلمين.. والشباب الذين أسكن معهم ضحوا بشبابهم من أجل الحرية التي نبحث عنها كلنا ونطمح إليها أن نعيش في ظل خلافة إسلامية وتحت راية لاإله إلا الله محمد رسول الله.
ويرى سيف الرحمن أنه في صحة جيدة وهو يتواصل مع عائلته وأمه عبر الرسائل البريدية ولا يشعر بالندم أنه قدم إلى إسرائيل وسجن عشرة أعوام، ويقول لقد بذل كل ما بوسعه لهدايتهم، فقد قدم لوالدته مصحفا وهو في ألمانيا لكي تقرأه وتتعرف على الإسلام لكنها وجدت صعوبة في قراءته ولم تفهمه لأنها ربما لم يكن لديها النية الصادقة في التوبة، وتكلم مع شقيقتيه وقالوا له أنهن سيقرأنه، وأنا مؤمن بقول عز وجل: {إنَّكّ لا تّهًدٌي مّنً أّحًبّبًتّ وّلّكٌنَّ اللّهّ يّهًدٌي مّن يّشّاءٍ}، رب أخ لك لم تلده أمك وقد وجه عبد الكريم كلمة لأخيه محمد نوار من المزرعة الغربية والذي يقبع في السجون الإسرائيلية فيقول: أوجه كلمة طويلة إلى أخي وصديقي إلى من كان في سجني إليك هناك في عام الأوفياء أبعث بهذه الكلمات إليك أخي محمد نوار، كلمات أعطرها بطيب المسك وألونها لك بألوان الزهور لتبقى في عام الصدور محفوظة ما امتد الزمان وما اختلفت الأيام. أخي الحبيب تعجز الكلمات أن تعبر لك عن حقيقة حبي لك ووفائي ولكن أقول بقول الله عز وجل: {لّوً أّنفّقًتّ مّا فٌي الأّرًضٌ جّمٌيعْا مَّا أّلَّفًتّ بّيًنّ قٍلٍوبٌهٌمً وّلّكٌنَّ اللهّ أّلَّفّ بّيًنّهٍمً إنَّهٍ عّزٌيزِ حّكٌيمِ} .
وأقول بيت الشعر هذا:
كم من أخ لك لو نابتك نائبة
وجدته لك خير من أخ النسب
|
عبد الكريم سيعمل لتحقيق أمنيته:
في النهاية أوضح سيف الرحمن ان له غاية من وراء قدومه إلى فلسطين وهي العيش في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ويقول عبد الكريم إنه سيعمل على تحقيق هذه الأمنية ولن يعود إلى بلده بعد خروجه من السجن بل أن عبد الكريم سيف الدين يفكر في العيش في فلسطين إن سمح له، وإن لم يسمح له فسوف ينتقل إلى لبنان أو سوريا ليبقى مع المرابطين في القدس وكنفها.
|