* القاهرة مكتب الجزيرة - عمر شوقي:
تعد قضية المياه من القضايا المهمة بالنسبة لإسرائيل وهي ترتبط بوجودها نظرا لندرتها في المنطقة بشكل عام والدولة اليهودية تعاني ندرة حقيقية في المياه سوف تتفاقم في المستقبل ولذلك تسعى بكل الطرق لتأمين احتياجاتها من المياه، وهو ما دعا عددا من المحللين إلى القول بأن كل الحروب التي قامت بها إسرائيل كانت تستهدف من ورائها تأمين احتياجاتها من المياه.
ويصل نصيب الفرد الإسرائيلي السنوي من المياه نحو 1600 متر مكعب مقابل 450 مترا مكعبا فقط للفلسطيني.
ويعيش 75 في المائة من الإسرائيليين على ساحل البحر المتوسط معتمدين في حياتهم اليومية على المياه الجوفية، غير أن هذه المياه استنفدت أغراضها حسب قول عدد من المهتمين بالشأن المائي.
وتشير الأرقام إلى أن نصف مخزون المياه الجوفية في الضفة الغربية مخصص للمدن الإسرائيلية فيما يحصل الفلسطينيون على احتياجاتهم من المياه من الآبار البلدية ولا يسمح لهم بحفر المزيد من الآبار في مناطق أخرى.
كما تشير الإحصاءات الإسرائيليةإلى أن 27 في المائة من مخزون المياه في الأراضي الفلسطينية مخصصة للمستوطنين اليهود.
ويتوقع عدد من الخبراء المتخصصين في شئون المياه تعرض مخزون المياه الجوفية داخل إسرائيل للنضوب خلال السنوات الخمس المقبلة أو انه سيتدنى على الاقل بسبب كثافة الاستخدام ونتيجة الزيادة السكانية المضطرة اضافة إلى استنفاد مخزون المياه تحت مستوى سطح البحر المتوسط.
ويقول المتخصصون الفلسطينيون في شئون المياه ان استهلاك الإسرائيليين من المياه في الضفة الغربية تجاوز 88 في المائة من حجم الاستهلاك الكلي فيما لايتجاوز استهلاك الفلسطينيين 12 في المائة فقط، أي أن معدل استهلاك الفرد الاسرائيلي يعادل ستة أضعاف مايستهلكه المواطن الفلسطيني. كما يصل متوسط سعر المياه للفلسطينيين إلى 3 ،1 دولار أمريكي وهو يفوق بكثير سعرها إلى الإسرائيلي ناهيك عن الاختلافات الجوهرية في مستويات الدخل بين الجانبين والتي تتفاوت بصورة لايمكن مقارنتها.
ويعترف خبير المياه الإسرائيلي البروفيسور اليعازر بن جوريون أن إسرائيل تستهدف من اقامة الجدار الفاصل السيطرة على ماتبقى من المياه الفلسطينية وليس الهدف منه تحقيق الأمن لإسرائيل، مشيرا إلى أنه كان من الأجدر بالإسرائيليين انشاء مثل هذا الجدار بمدينة القدس مثلا التي لا يفصل بين جزئيها الغربي والشرقي سوى الحواجز الإسرائيلية.
وقال إن اقامة هذا الجدار يضمن سيطرة إسرائيل الكاملة على حوض المياه الغربي (يتيح انتاج 430 مليون متر مكعب من المياه سنويا) الذي يعد المخزون الجوفي الوحيد الذي يضمن أي تطور عمراني وسكاني للشعب الفلسطيني.
وأضاف أن الحوض الشرقي الذي يتيح مابين 65 إلى 70 مليون متر مكعب من المياه يتم استخدامها بالكامل مشيرا إلى أن اقامة هذا الجدار ستؤدي إلى تأثر الزراعة والصناعة المرتبطة بها في مدن وقرى جنين وقلقيلية وطولكرم مما يهددها بالتوقف عن الزراعة نهائيا، وهو ما تسعى إليه إسرائيل لتخفيف المنافسة عن الكيبوتسات الإسرائيلية المتاخمه لهذه المناطق والتي تنتج بتكلفة أعلى لاعتبارات عديدة.
وأكد أن تأجيل إسرائيل لبحث قضايا المياه إلى مرحلة الحل النهائي يأتي لرغبتها في فرض الأمر الواقع على الأرض، مشيرا إلى أن التفكير في اقامة هذا الجدار كان سابقا على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، وينسجم تماماً مع التفكير الاستعماري الذي يقوم على التخطيط المستقبلي بعيد المدى.
وقال بن جوريون ان الجدار الفاصل ضم نحو 43 بئراً من آبار المياه الموجودة بالضفة الغربية وسوف يصل عددها إلى 50 بئرا بعد ذلك بما يضمن سيطرة إسرائيل الكاملة على الحوض الغربي مؤكدا قيام إسرائيل بمد خط لنقل المياه من مناطق الضفة الغربية إلى شمال إسرائيل بمنطقة سلفيت، بقطر 24 بوصة، بحيث يمكنه خدمة التطور العمراني لهذه المناطق لأكثر من 50 عاما.
وأضاف أن مشكلة المياه زادت تعقيدا في ظل فترة الانتفاضة التي شهدت فيها البنية التحتية لقطاعي المياه والبيئة تدهورا ملحوظا مما أضاف مزيدا من الأعباء على السلطة الفلسطينية في تنفيذ البرامج والأنشطة الموجهة لحل هذه المشاكل.
وأوضح أن السلطات الإسرائيلية استغلت أحداث الانتفاضة وقامت بعمليات تجريف للمنشآت المائية ودفن النفايات الإسرائيلية الخطرة في مناطق السلطة الفلسطينية ودمرت أكثر من 203 آبار للمياه إلى جانب تدميرها 775 خزانا وقامت بتجريف عشرة آلاف و750 دونما من شبكات الري الموجودة في قطاع غزة وأكثر من ضعف هذا الرقم في الضفة الغربية.
وعلى الرغم من التداعيات السلبية الناتجة عن التدمير الذي قام به الإسرائيليون فان سلطة المياه الفلسطينية تحاول وضع الخطط للاستثمار في هذا القطاع الحيوي وايجاد مصادر تمويل لتنفيذ المشاريع المختلفة حسب الخطط التي تقدر قيمتها بنحو مليار ونصف المليار دولار وتعمل حاليا على تنفيذ مشروعات بحثية بدعم فرنسي لاستخدام المياه المعالجة في ري المحاصيل الزراعية.
وقال بن جوريون ان الفلسطينيين يعتمدون في توفير جزء كبير من احتياجاتهم المائية على شركة «ميكوروت» الإسرائيلية حيث تقوم سلطة المياه الفلسطينية بشراء كميات كبيرة من المياه من الشركة الإسرائيلية تشكل أكثر من 50 في المائة من احتياجات الضفة الغربية، وبعض مناطق غزة القريبة من المستوطنات الإسرائيلية، لافتا إلى أنه في بعض المناطق التي تندر فيها المياه كمحافظة رام الله والبيرة يعتمد الفلسطينيون على الشركة الإسرائيلية في توفير مانسبته 83 في المائة من المياه المستهلكة.
وأوضح أن قطاع غزة يعاني من مشاكل تتعلق بكمية المياه ونوعيتها التي تختلف من منطقة إلى أخرى، اضافة إلى نقص كميات المياه التي يحصل علىها المواطن الفلسطيني. وقدر كمية المياه التي تغطي احتياجات الفلسطينيين في غزة بنحو 150 مليون متر مكعب 90 في المائة منها مياه غير صالحة للشرب حسب المواصفات الدولية.
وأشار إلى أن التغذية السنوية للخزان الجوفي في غزة لاتتجاوز من 80 إلى 85 مليون متر مكعب سنويا مما يؤدي إلى السحب الزائد من الخزان الجوفي مما ينتج عنه عجز سنوي يتراوح مابين 50 إلى 60 مليون متر مكعب مما أدى إلى انخفاض مستوى المياه الجوفية وسحب المياه من الطبقات السفلى ذات الملوحة الأعلى وهو ما أدى إلى زيادة درجة ملوحة المياه إلى ما بين 500 و 1500 ملليجرام في اللتر الواحد، في حين يجب الا تتجاوز 250 ملليجرام طبقا للمواصفات الدولية.
وكانت لجنة للمياه الإسرائيلية قد اصدرت تقريرا في التاسع عشر من شهر ابريل اوضحت فيه ان عدد البرك وخزانات المياه التى تم تدميرها منذ اندلاع الانتفاضة وحتى الشهر الماضى في محافظات غزة بلغ 775 بركة وخزانا وتم تدمير 327 ،700 متر طولى من خطوط المياه الرئيسية وتجريف ما مساحته 10 ،750 دونما من شبكات الرى وتدمير نحو 203 آبار وتجريف معدات وملحقات العديد منها كانت آخرها بئر اسلاطين في منطقة العطاطرة في بلدة بيت لاهيا، شمالى قطاع غزة، والتي يعتمد عليها معظم السكان في تلبية احتياجاتهم لمياه الشرب، وقد دمرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الاجتياح الاخير للمنطقة.
واشار التقرير إلى ما لحق بمشاريع المؤسسات الناشطة في مجال العمل البيئى والمائي من اضرار وتعطيل جراء الممارسات الإسرائيلية اضافة إلى الصعوبات في تمويل الخطط والمشاريع الاستثمارية لتحسين كمية ونوعية المياه التى قامت بوضعها سلطة المياه الفلسطينية بكلفة تقديرية تصل إلى نحو 1 ،5 مليار دولار أمريكي يجرى انفاقها لتحسين الوضع المائي في محافظات غزة على مدار عشرين عاما بخلاف تكاليف المشاريع التى تنفذها لمعالجة آثار العدوان الاسرائيلى في نفس المجال والمشاريع قصيرة الامد لتقديم الحلول الجزئية العاجلة للمشاكل المائية.
وعرض التقرير صورة لأحوال الوضع المائى الحالي في محافظات غزة جاء فيه ان 90% من المياه غير صالحة للشرب وفقا لمقاييس منظمة الصحة العالمية والمواصفات الفلسطينية نظرا لارتفاع نسب الكلورايد والنترات وبالتالي يتضح مدى خطورة تلك الازمة التي لم تتوقف حتى الآن باعتراف الإسرائيليين انفسهم وهو ما يؤكد على ضرورة تدخل المجتمع الدولي من اجل وضع حد لهذه الماساة.
|