توقفت منذ فترة عن الكتابة لأنني لم استطع الوصول الى مرحلة سلام حقيقي مع ذاتي قيدني الاكتئاب الذي من خلاله لم تعد لي اي قدرة على التعبير او حتى محاولة التفسير والتبرير او البحث عن ملاذ لتلك المشاعر المحبطة، وعلى الرغم من إيماننا بقوله تعالى {وّعّسّى" أّن تّكًرّهٍوا شّيًئْا وّهٍوّ خّيًرِ لَّكٍمً} [البقرة: 216] لكن الحقيقة ان الامة بكل اطيافها نسج الاحباط خيوطاً حولها. عندما يذكر اسم العراق تستقيظ الذاكرة من سباتها وتعود عبر بوابات الايام الى ارض الحضارات، عندما يذكر اسم العراق ترحل الاحرف الى فضاءات العلم والفلسفة والفن التي غابت عندما ترجل هولاكو عن فرسه واعلن سقوط بغداد، وقتها نهبت الاسواق ودور العلم والمساجد واستبيحت الاعراض وتحولت دور العبادة الى اسطبلات لبغال وخيول هولاكو واصبح ماء دجلة ارجوانيا لاختلاط الدم المستباح بلون حبر المخطوطات وبكت دجلة اهلها وتراثها. وتتعاقب الايام والاعوام وتحاول بغداد ان تحرر من فجيعتها وترسم الخطى لتتجاوز الاجتياح التتاري. يذكر المؤرخون انه عندما دخل هولاكو مدينة السلام كسفت الشمس ساعة سقوط بغداد، واليوم التاريخ يعيد دورته في الالفية الثالثة وتحت مسميات حضارية تنهار حضارة وادي الرافدين وتستقيظ بغداد مدينة الاجتياحات على صباح لم تنكسف الشمس به، تستقيظ الامة وكأنها تعبر نفق الزمن لتجد نفسها مرة اخرى تعيش مأساة عام 656هـ. سقطت بغداد وتعمقت الفجيعة في دواخلنا وترسخت مشاعر الاحباط والعجز. نشر ربوبرت فيسك في اندبدنت البريطانية مقالاً تناول فيه السقوط الحضاري يقول فيه:« كان يوم حرق الكتب هو الفصل الاخير من نهب بغداد، فقد تحولت دار الكتب والمحفوظات الوطنية الى رماد درجة حرارته 300م وهي كنز لا يقدر بثمن للوثائق التاريخية، لقد شتمني احدهم عندما حاولت استرداد كتاب للفقه الاسلامي من صبي لا يتجاوز العاشرة، ومع الشروع بتدمير المتحف وحرق دار المحفوظات الوطنية ومن ثم مكتبة القرآن فإن السنة هي سنة الصفر بالنسبة للعراق، وان هوية العراق الثقافية محيت، لماذا؟». وكما زينت نعال جنود هولاكو بالياقوت والزمرد المسروق من بيت الخلافة بدأت اعمال السلب والنهب المنظمة وغير المنظمة يعبث في كل ارض العراق وكأنها اصبحت امراً مباحاً للجميع، وبدأت آثار العراق وحضارته تباع في باريس وطهران ودول اخرى.. اختلط الليل بالنهار ولم يعد للمدينة الصبح في ظل هيمنة الفوضى. وبعد بغداد مدينة الرشيد نتساءل الى اين تتجه ثقافة الاجتياح، وكما ذكر احد رواد المنتديات طرفة مضحكة مبكية وهي: «احتلْ بلداً عربيا تحصل على الآخر مجاناً»، من خلال هذه المقولة نصل الى حقيقة وهي ان كل الدول العربية عموماً معرضة لظاهرة الاجتياح، وان حوار الحضارات استبدل بثقافة الهيمنة حيث اصبح هو الواجهة الحديثة لهذا الحوار، ومن خلال مأساة العراق واهله نتوقف قليلاً ونحاول الاستفادة من هذه التجربة بكل مقاييسها الاجتماعية والثقافية والسياسية للبناء والتنمية والاستعداد لازمات قد لا تكون في القريب بل مداها يكون بعيدا وابسطها توثيق تاريخنا وتراثنا ومدننا، ادارة الاجتياحات تحتاج الى كل فرد في الوطن على امتداده تحتاج الى خطة شاملة، هي ادارة ازمات من نوع خاص لن تسعفنا بها كتب الادارة الاكثر مبيعاً، قد نجد من يعارض ولكن العاقل من يعتبر بغيره. رفع الله عن العراق البلاء وادام علينا نعمة الامن والامان.
|