Tuesday 6th may,2003 11177العدد الثلاثاء 5 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مشهدٌ والصورةُ تشهدُ مشهدٌ والصورةُ تشهدُ
عادل علي جودة

«بوش يكذب وصدام يكذب» بهذه العبارة بدأ أحد العراقيين حديثه لمراسل قناة الجزيرة في شمال العراق، صرخ بها ولسانه يتكئ - قهراً - على كل حرف من حروفها، يداه حائرتان، ووجنتاه ترتجفان، وعيناه متوهجتان، ثم غابت عن الكاميرا لتلتقي آخرين، وماهي الا برهة قصيرة لتعود اليه الكاميرا من جديد، فإذا اللسان لم يعد ذاك اللسان، والصوت لا يكاد يسمع، ويداه كأنما لا تقويان على الحركة، نظراته لا تتجه للكاميرا وإنما إلى الأرض، كما المنكسر، وفجأة يتمكن من رفع يده اليمنى إلى عينيه ليمسح دمعاته التي نفرت منهما لتسيل على خديه، ثم تمر لحظة صمت، لحظة القهر، بل هي لحظة الذل والخزي والمهانة، تمالك الرجل نفسه، وحبس باقي دموعه، ووضع كفه اليمنى على اليسرى، وقال بصوت خافت تغلبه حشرجة البكاء:« الاجنبي يرفع ملابس نسائنا ويلمس اجسادهن»، كلمات قاتلة ادهشت المصور الذي انتقل بالكاميرا نحو المراسل فإذا بنظراته تتجه إلى الارض كأنما هي تتساءل: أين المعتصم؟ اين نخوة المسلمين؟
اعجبني التساؤل:« اين المعتصم؟»، ووجدت نفسي اغوص في ذاكرتي التي اعيتها احداث السنين، إنها قصة ملك الروم «تيوفيل بن ميخائيل» الذي طمع في بلاد المسلمين، فخرج قائداً على مائة الف لقتال المسلمين، ووصل الى «زبطرة »، فقتل الاطفال والشيوخ، وخرب البلاد، واسر النساء وسباهن، وانتهك اعراضهن، ومثّل بكل من وقع في يده من المسلمين، وكان من ضمن النساء امرأة «هاشمية»» اقتادها جنود الروم للاسر، وهناك لطمها احد الجنود الروم، فصرخت:« وامعتصماه»، وصل الخبر الى «المعتصم»، خليفة المسلمين، فاستشاط غضباً لله وحرمات الله، وقال:« لبيك اختاه»، فأعد العدة وخرج على رأس جيشه المسلم المؤمن لنصرة المسلمين في زبطرة، فوصلها ليجد الروم قد رحلوا عنها بعد ما ارتكبوه بأهلها من جرائم، فتبعهم الى بلادهم، الى عمورية، اقوى حصونهم التي لم يتعرض لها احد من القادة المسلمين من قبل، التي هي اعز لدى الروم من القسطنطينية نفسها، وبتوفيق الله سبحانه وتعالى ثم بنبض ايمانه وحميته كان له ما اراد.. فحاصرها حصاراً شديداً، حتى احدث ثغرة في سورها، فاندفع وجنوده المؤمنون داخلها، وحارب اعداء الله حتى سيطر على المدينة، وحرر المرأة الهاشمية التي صرخت «وامعتصماه»، وقتل الجندي الذي لطمها بعد أن جعلها تقتص منه بنفسها.
ورحم الله ابا تمام الذي تغنى بواقعة عمورية قائلاً:


السيف اصدق انباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب

الى ان قال:


فتح الفتوح تعالى أن يحيط به
نظم من الشعر او نثر من الخطب
فتح تفتح ابواب السماء له
وتبرز الارض في أثوابها القشب
يا يوم وقعة عمورية انصرفت
عنك المنى حفلاً معسولة الحلب
ابقيت جد بني الاسلام في صعد
والمشركين ودار الشرك في صبب

قصة الامس قرأناها وحفظناها بدءاً بظلم ملك الروم وانتهاءً بالخاتمة التي رسمها المعتصم، وصرخة اليوم على الشاشات رأيناها، «رجل من امة الاسلام يبكي عرضه»، المشهد حقيقي، والصورة حية، وغداً تصبح الاحداث قصة، فهل تنتهي القصة عند هذا الحد؟ ام ان للاحداث تتمة؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved