قد يرتفع عمل إلى عنان السماء، وقد ينحط إلى سابع أرض. والذي يتحكم في عملية الارتفاع والانخفاض هذه عدة عوامل: منها التآلف بين فريق العمل أو تنافره، وهذا التآلف والتنافر يعود إلى سوء ظن فريق العمل بعضه ببعض أو حسن ظنه ببعض؛ فالظن سيئه أو حسنه عنصر رئيسي في تقدم العمل وتأخره، ولا شك أن الظن يقابله اليقين. والظن يقوم على الشبهة والاحتمال، أما اليقين فيقوم على الدليل والإثبات، فكم من جرائم ارتكبت ومصائب وقعت ومشاكل حدثت لأناس هم منها براء نتيجة سوء الظن.
وسوء الظن شعور لا أساس له من الصحة سرعان ما يتحول إلى فكر واعتقاد ومن ثم يتحول الى سلوك وعمل يؤذي الآخرين وينزل بهم أقصى أنواع الإيذاء، وقد تكون الحقيقة غير ذلك تماماً، بل تدعو الحقيقة أن يقدم لهم الشكر والثناء بدلاً من اللوم والعقاب.
وسوء الظن يفسره صاحبه أن فلاناً يضره بالفعل أو القول أو الإقرار أو بالثلاثة معاً ومن ثم يقف في طريقه موقف التضاد والتحفز ولا شك أن هذا الموقف يحدث نوعاً من الصراع بين طرفي العلاقة وهو في البداية يكون صراعاً خفياً مستوراً وكلما اشتدت حدة الصراع أصبح علنياً مكشوفاً فأحدهم يقبل، والآخر يرفض، وأحدهم يفتر والآخر يتحمس، وأحدهم يضغط والآخر ينفجر، وأحدهم يحسن والآخر يشوّه.. وهكذا.
وإذا كان هذا الأمر هو النتيجة العملية لسوء الظن بين الأفراد فلا بد أن ينعكس ذلك على العمل من عدم الوفاق وضعف العمل والرفض الدائم لأي جهد وإن كان جيداً ومخلصاً من خلال تشويهه والتشكيك فيه.
وهناك نوع آخر لسوء الظن هو تدخل طرف ثالث بين الطرفين الأساسيين، إذ تكون العلاقة طيبة بينهما ولكن هذه العلاقة الطيبة لا تروق لطرف ثالث فيبدأ بالتدخل بينهما من أجل التفريق والفصل بين الطرفين لمصلحة ما في ذهن الطرف الثالث. وهؤلاء الذين يسعون للإفساد بين الناس لهم مسميات كثيرة أشهرها: الوشاة والحسَّاد والعزَّال والمفسدون في الأرض وغير ذلك كثير.
وهؤلاء يسعون فساداً للوقيعة بين الناس، بين المحب ومحبوبه، وبين المرء وصديقه، وبين المرؤوس ورئيسه، ويحمل لنا التاريخ قصصاً عديدة تؤكد هذا، فكم قصص حب انتهت بالفشل، وكم قصص صداقة انتهت بالحسرة والألم. ويدعم هذا القول طبيعة الإنسان وما جُبل عليه من تطلع وطمع وولع وهلع وحقد وحسد، فتدفعه للوقيعة بين الناس وسوء الظن بهم.
ولا نقول بالطبع إن سوء الظن دائما خاطئ، بل هو أحيانا يكون في موقعه ومن صواب فكر الإنسان وحسن فطنته ولكن الحكم والفيصل في الأمر هو الدليل والإثبات لا الشبهة والظن قبل اتخاذ القرار وسلوك أي مسلك يؤذي الآخرين، ومن هنا كان المبدأ الشرعي «البيِّنة على من ادَّعى واليمين على من أنكر». وبالله التوفيق.
|