نحن من أكثر شعوب الأرض تداولاً للتقاويم - جمع تقويم- بنوعيها الهجري والميلادي فقلما تخلو مكاتبنا سواء في المنزل أو العمل من هذه «الروزنامات» المطرزة في الغالب على أشكال بديعة والمكسوة أيضا بما ندر من شذرات الأدب ومقتطفات الفكاهة وشوارد الشعر بهدف الإغراء والتشجيع على اقتنائها، وقد لا أتجاوز الحقيقة فيما لو قلت إنني لا أعرف مجتمعا يتهادى أفراده التقاويم مثلما نتهاداها خصوصا قرب مطلع كل عام ودخول آخر ومع ذلك فتداولنا هذا لايعدو أن يكون مجرد تداولا للتداول فقط فنحن لا نستشعر قيمة ما تحويه هذه التقاويم من ثوان ودقائق وساعات وأيام وشهور وسنوات تمثل في مجمل مضامينها عمرنا الإنساني القصير.
ومن اقتناء التقاويم ننتقل إلى اقتناء الساعات التي على الرغم مما نبذله من جهد جهيد وننفقه من مال سخي في سبيل مظهرها تجدنا مع بدء دوران أول ثواني عقاربها الزمنية ننسى حتى شكلها الخارجي الذي كان هو السبب الأول في اقتنائنا لها! واستدلالا على ذلك إليك بالسؤال: هل نستطيع توصيف ساعتك اليدوية بدقة متناهية..؟! أرجو أن تجرب ذلك من دون أن (تغش!).. أقصد من دون أن تنظر إليها..؟ هنا وفي حال رسوبك هلا سألت نفسك عن سبب ذلك لاسيما في ضوء ما أثبته أحد الباحثين من حقيقة مفادها ان الإنسان العادي ينظر إلى ساعته ما يقارب من خمسة آلاف مرة سنويا؟
من الممكن القول إن رسوبك في توصيف مظهر ساعتك بكل دقة مؤداه رسوبك في مراعاة جوهر هذه الساعة.. أو بالأحرى وظيفتها الأساسية وتلك هي عرض تفاصيل الزمن لبصيرتك بواسطة بصرك، وبالمناسبة لعلك لاتعلم أن حيازتك للساعة هي من ضمن أهم الفروق بينك والفرد البدائي: من حيث إن الإنسان البدائي اعتمد في ضبط وقته على الظل كما يقول العلماء وظل على ذلك لقرون وقرون لم يفكر خلالها في اختراع الساعة وذلك لكونه كان حبيس لحظات حاضرة فقط حيث لم يكن لديه أي إحساس بالماضي أو المستقبل على العكس من نظيره الإنسان المتحضر الذي أدى به إحساسه بماضيه إلى استشعاره لحاضره فاخترع الساعة لينجح من ثم في استشراف مستقبله.
عفوا فالإنسان المشار إليه في سياق العبارات السابقة هو الفرد الغربي لا العربي فالعرب كما نعلم لم يفلحوا في الإحساس بماضيهم لينجحوا في استشعار حاضرهم فلا عجب ان تقلدوا الساعات وأهملوها ليفشلوا من ثم في استشراف مستقبلهم إذن فالفرق بين الإنسان البدائي وعربي العولمة هو ان الأول سخر الظل لمعرفة وقته في وقت عاش فيه العربي في الظل بسبب تجاهله لأهمية وقته.. وهذا هو السر الذي جعل من العربي عرضة لأن يزول مع زوال كل ظل وحلول كل زوال...
|