* بريدة - متابعة - ناصر الفهيد:
شيعت بريدة ظهر أمس الداعية فهد بن سعيد الى مثواه الأخير في مقبرة الموطأ بمدينة بريدة بحضور آلاف الأشخاص الذين صلوا عليه صلاة الجنازة في جامع الخليج حيث أم المصلين فضيلة الشيخ الدكتور صالح الونيان ومن ثم تم نقل النعش سيراً على الأقدام الى المقبرة التي تبعد قرابة الميل عن الجامع.
وشهدت مقبرة الموطأ ازدحاما كبيرا وتعطلت حركة السير خارجها بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها مرور القصيم إلا ان ازدحام الآلاف في منطقة لا تتجاوز مئات الأمتار جعل حركة السيارات تتوقف ولم تعد لطبيعتها إلا بعد دفن جثمان الراحل فهد بن سعيد..
وقد شهد جامع الخليج ازدحاما كبيرا ولم يستطع الآلاف الصلاة عليه في الجامع لعدم وجود مكان مما حدا بهم للصلاة عليه مرة أخرى على أرض المقبرة..
وشهدت صلاة الجنازة حضور عدد كبير من العلماء والمشايخ والمسؤولين وعدد كبير من المواطنين والمقيمين من داخل القصيم وخارجها..
فقدت الابن والزوج
تحدث ل«الجزيرة» الأستاذ عبدالرحمن بن محمد الجمعة مدير مدرسة أبي موسى الأشعري لتحفيظ القرآن الكريم ببريدة والتي كان يعمل بها الراحل فهد بن سعيد فقال: إنني منذ ان قدمت للعمل بالمدرسة وابن سعيد رحمه الله متابع للمدرسة ويبحث عما يعودعلى الطلاب بالخير وقد سجل ابنه في المدرسة عندما بلغ سن الدراسة لأنه كان يريده ان يتعلم القرآن ويحفظه وكان ابن سعيد حريصا على ان يؤدي صلاة الظهر معنا دائما بالمدرسة ويكون في الصف الأول من المصلين على الرغم من ان عمله لا يبدأ إلا بعد نهاية اليوم الدراسي كحارس للمدرسة إلا انه كان يحضر كل صباح وكان يجلس معنا باستمرار ويتحدث عن فعل الخير ويتطلع الى فعل كل ما يقربه من الله فأكثر..
وعن حالته المادية كونه كان قريبا منه قال الجمعة ان حالته أنه محتاج جدا، فهو يعمل براتب قليل جداً لأن مكافأة الحارس قليلة فهو لم يكن يملك أي شهادة وكان يعول زوجته وأطفاله الأربعة اضافة الى أخت زوجته التي تعيش معهم في نفس السكن وهو السكن التابع لملحق المدرسة.. وكان رجال الخير والمحسنون يساعدونه بما تجود به أنفسهم.. وبعد وفاته فالحالة بلا شك ستكون صعبة جداً لعائلته وخاصة زوجته المسكينة التي فجعت قبل أقل من عشرة أيام بوفاة ابنها من زوج آخر والآن توفي زوجها الذي شاهدته يحتضر أمام عينيها وهي التي كانت تقول له «ليت يومي قبل يومك» وكان يرد عليها قائلاً أنا خلاص اقترب يومي واقترب الرحيل وأسأل الله حسن الختام وكأنه كان يشعر بقرب اجله رحمه الله وكان آخر حديث لي معه رحمه الله ليلة وفاته عندما اتصلت عليه بالمساء للاطمئنان على صحته حيث كان يعاني صباح السبت من بعض التعب والاضطرابات القلبية فسألته عن حالته فقال انه متعب ولا يزال يعاني من الألم فقلت له: لا تترك الفراش وارتح ولا تتحرك منه واعتبر نفسك في اجازة فضحك رحمه الله كون منزله يقع في نفس المدرسة التي يحرسها.. وحسب قول زوجته لي أمس انه صحا قبل صلاة فجر الأحد وبعد الصلاة أكثر من التسبيح والتهليل وقال لها: «إن منيتي اقتربت وأشعر انه قد آن الأوان».
وعن علاقاته الاجتماعية وتعامله مع الناس قال الجمعة ان ابن سعيد رحمه الله كان محبوبا من الجميع ومن الكل وكان يبدي البشاشة والابتسامة في وجوه الكل ولم يحمل في قلبه الحقد والحسد أبداً وكان اولياء أمور الطلبة يحبونه كثيرا لتعامله وطيبته الكبيرة وبشاشته معهم وكان بعضهم لا يقصر أبداً في مد يد العون له وكان آخرهم يوم الأحد وقبل وفاته بحوالي نصف ساعة قدم لي أحد أولياء الأمور تبرعا ماليا لأبوعبدالله وكنت انتظر لنهاية العمل لكي اذهب وأقدمها له إلا ان المنية كانت أسرع وقد صرفت التبرع في تقديم وليمة الغداء والعشاء يوم وفاته ويوم أمس لأسرته.
دعم لإسرته
وعن المساعدة التي تنوي ادارة المدرسة تقديمها وفاء لهذا الرجل الراحل الطيب قال الأستاذ الجمعة ان هيئة التدريس بالمدرسة قررت اقامة مشروع الصدقة الجارية للراحل فهد بن سعيد لكي تدر عليه الحسنات وهو في قبره وننوي من هذا المشروع حسب ما نستطيع جمعه بناء مسجد باسمه واعالة أسرته حسب المستطاع وسنبحث عن استئجار شقة بقرب المدرسة كون أم عبدالله زوجة ابن سعيد رحمه الله تريد ان تكون بقرب المدرسة من أجل ان يواصل ابنها اكمال دراسته في تحفيظ القرآن حتى تخرجه من المدرسة ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يفتح باب الرزق لهذه الأسرة المحتاجة..لا يحب الحديث عن ماضية.
كان لا يحب الجديت عن ماضيه
وعن حياته السابقة قبل التوبة وهل كان يتحدث عنها قال الأستاذ الجمعة ان الراحل فهد بن سعيد كان لا يحب الحديث أبداً عن ماضيه وكان يدعو الله سبحانه وتعالى ان يتوب عليه وان يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكان يقول «الحمد لك يا رب اللي هديتني ورزقتني من الذرية وأنا في هذه السن» وكان أكثر ما يزعج فهد هو ظهور بعض الاشاعات المغرضة عن عودته للفن أو انه يسهر أحيانا لدى البعض بالغناء. وكان يدعو ويقول دائما اللهم إني أسألك الثبات وحسن الختام وان تبعد عني أهل الشر جميعاً.
وفي ختام حديثه قال الأستاذ الجمعة: إنني أريد ان أقول موقفا حدث قبل وفاته فقد كان فهد بن سعيد سيحال للتقاعد في 1/7/1424هـ أي بعد حوالي أربعة شهور وقد أتى لي قبل فترة وطلب مني ان أساعده وأتوسط له لدى ادارة التعليم لتمديد خدمته كونه يريد الاستمرار بالعمل إلا أنه وفي صباح السبت الماضي وقبل وفاته بيوم أتى لي وتراجع عن طلب التمديد وطلب ان يتم اخلاء طرفه بأسرع وقت وقبل التقاعد وكأنه كان يشعر فعلا بأنه مودع للدنيا.
فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهم آله الصبر والسلوان و{إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.
العشرات حضروا لالقاء النظرة الأخيرة عليه
الأستاذ ابراهيم الرزقان مسؤول ثلاجة الموتى في مستشفى الملك فهد التخصصي ببريدة قال: إن ما حدث يوم وفاة فهد بن سعيد أمر استغربته كثيراً ولأول مرة يحدث حيث حضر المئات من الأشخاص للمستشفى للتأكد من صحة خبر وفاته بينما حضر عشرات الأشخاص الى ثلاجة الموتى وطلبوا ان يشاهدوه لالقاء النظرة الأخيرة وكان معظمهم من الشباب الملتزمين الذين كانوا يدعون له وكانت الدموع تملأ أعينهم لوفاته وكثير منهم اجهشوا بالبكاء لدى رؤيتهم فهد بن سعيد وكانوا يقبلون رأسه ويدعون له بالرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى.. وبلا شك فإن هذا الحب وهذا الاهتمام والمشاركة الوجدانية تؤكد على حسن خاتمة هذا الرجل الذي ترك كل اغراءات الدنيا ومالها الذي كان يقدم اليه وعاش فقيراً قريباً من ربه ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يتولاه برحمته ومغفرته وان يسكنه فسيح جناته.
بياض وجهه بعد وفاته بشرى خير لابن سعيد
الأستاذ عبدالله الحمودي الموظف في مستشفى الملك فهد التخصصي ورئيس فنيي الأشعة بالمستشفى قال: إنني أعرف فهد بن سعيد والتقي به دائما لحبي له ولطيبته وتسامحه وأخلاقه الرفيعة وعندما علمت بأنه تعرض لأزمة قلبية وانه وصل الى اسعاف المستشفى ذهبت مباشرة الى الاسعاف وعند وصولي اخبرني الزملاء انه متوفى فدخلت الغرفة التي كان مسجى فيها لأودعه الوداع الأخير وعندما نظرت الى وجهه رحمه الله رأيت ان البياض يكسو وجهه على الرغم من انه اسمر البشرة ودائما أراه إلا أنه وفي تلك اللحظة كان وجهه مبيضاً وكانت الابتسامة على شفتيه فبكيت على حسن خاتمته ورضوان الله عليه بهذه العلامات التي كأنها البشرى على ذلك وأسأل الله ان يجمعنا وإياه في جنات الفردوس وان يغفر له ولنا ذنوبنا وان يرحمنا برحمته.
الحزن يخيم على مدرسته
قامت «الجزيرة» ظهر أمس بزيارة مكان عمل فهد بن سعيد ومنزله حيث كان الحزن يخيم عليهما وقد خرجنا بهذه اللقطات للمدرسة ولأبناء فهد بن سعيد «عبدالله وفاطمة وخالد» أمام باب المنزل الخاص بهم وهو الملحق بالمدرسة وكذلك سيارته التي لم تتحرك منذ ظهر السبت.
|