* بغداد بقلم آن بياتريس كلاسمان د ب أ:
كان الأطفال في العراق يبدأون دروسهم منذ أول يوم في رياض الأطفال بتحية «القائد العظيم صدام حسين»، ولذا فليس غريبا أن يجد كثيرون منهم صعوبة في التكيف مع الأوضاع الجديدة في بلادهم حيث اللصوص والجنود الأمريكيون ومظاهرات الاحتجاج.
وعندما دخل يوسف إبراهيم ناظر إحدى المدارس الابتدائية فصلا في مدرسته هب 12 تلميذا على الفور واقفين وهتفوا كما تعودوا منذ نعومة أظفارهم «نعم للقائد صدام حسين»، لكن الناظر قال لهم «اجلسوا.. لم يعد ذلك ضروريا».
ورغم أن المدرسين كانوا قد سارعوا بإزالة جميع صور الرئيس العراقي السابق من على جدران الفصول فلا تزال هناك لافتة معلقة فوق سبورة أحد الفصول عليها دعاء لله بأن يحفظ «بابا صدام».
ولم يبادر إلا قليل من سكان العاصمة بغداد بإرسال أبنائهم إلى المدارس بعد الحرب حيث ما زال كثيرون منهم يخشون أن يتعرض أطفالهم لرصاص أحد اللصوص المسلحين الذين يسيطرون على شوارع المدينة منذ انهيار النظام والقانون.
وقال إبراهيم إن ابن أحد المدرسين لا يتجاوز عمره تسع سنوات قتل برصاص شخص كان يطلق النار في الهواء، لكن الأطفال تحرجوا من الإعراب عن خوفهم أمام ناظر المدرسة.
وقال أحد التلاميذ الصغار الذين عادوا للمدرسة أول أمس الاحد لاول مرة منذ بداية الحرب «لم نكن خائفين أثناء حرب الصواريخ»، لكن لم يكد الناظر يغادر الفصل حتى راح الأطفال يحكون عما مروا به أثناء الغارات الجوية والمعارك التي دارت خارج منازلهم وعن الجثث التي رأوها في الشوارع وعن مشاهد أخرى لن ينسوها.
وقال يعقوب (12 سنة) «أطلق الأمريكيون في شارعنا النار من دبابة على سيارة تقل جنديين، انفجرت السيارة واحترق الرجلان».
وأعرب الصبي عن اقتناعه بأن الأمريكيين جاءوا إلى العراق للسيطرة على حقول النفط، لكن زميله نور عارضه قائلا وهو ينتزع صفحة عليها صورة الرئيس السابق من كتابه المدرسي «لا.. بل جاءوا للقضاء على صدام».
وقال إسماعيل (13 عاما) شقيق يعقوب في خجل: «جمعوا الجثث أمام المسجد، كان مشهدا مروعا ولم تكن الرائحة طيبة».
وذكر أن الجنود الأمريكيين هدموا مبنى بأكمله في المنطقة التي يسكنها لأن رجلا من فدائيي صدام أطلق النار عليهم من داخله.
وقال وهو يعض على شفته السفلى «رجاه السكان أن يرحل لكنه هددهم فلاقوا جميعا حتفهم، كان هناك نحو مئة شخص في المبنى».
وبدا واضحا من حديث التلاميذ أن آباءهم سروا بانهيار نظام صدام، ورغم ذلك لم يفه أي منهم بكلمة طيبة عن الأمريكيين.
وقال يعقوب: «أعرف بعض الإنجليزية وتحدثت مع واحد منهم كان يجلس فوق دبابة».
وأضاف بفخر واضح بجرأته في الحديث إلى الجنود «يمكنني التحدث إليه بسوء فأنا ما زلت طفلا... (قلت له) ارحلوا من هنا».
ويقول شهاب أحمد الطبيب بمستشفى صدام للأطفال إنه يصعب على الأطفال بين سن السابعة والعاشرة التغلب على تجربة الحرب، وإن الأطفال الأصغر سنا لا يدركون بما يكفي ليصابوا بأضرار نفسية بالغة من جرائها كما أن من تزيد أعمارهم عن ذلك يتعاملون بصورة أفضل مع تلك التجربة.
وقال الطبيب: «كان لدينا مرضى هنا أثناء الهجمات لم يستطيعوا الكلام أو المشي بسبب الصدمة، لكننا تركناهم يخرجون حيث لا يوجد في العراق مستشفى متخصص في العلاج النفسي للأطفال».
وفي مركز ابن رشد للأمراض النفسية في بغداد جرت العادة قبل الحرب على تخصيص ساعة على الأقل لفحص المرضى من الأطفال ولتنظيم فصول للصغار الذين يعانون من صعوبة التعلم، لكن هاشم الجزيني مدير المركز الذي أصبح الآن خاوياً شكا قائلاً: «سرق اللصوص كل شيء حتى لعب الأطفال، أخذوا كل شيء حتى بطاقات البيانات الخاصة بالمرضى».
|