* القاهرة - مكتب الجزيرة - شريف صالح:
منذ اكثر من عشر سنوات تتوالى الخطط والاوراق الاقليمية والمؤتمرات والمبادرات لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ثم لا يحدث شيء على ارض الواقع سوى استمرار دائرة العنف. طرحت اسلو وكامب ديفيد الثانية وخطة تينت ومبادرة الأمير عبدالله وغزة اولا.. واخيرا خارطة الطريق، نجح عرفات في الحصول على لقب رئيس السلطة الوطنية ونجح شارون في تقييد حركته وقطع اتصالاته بالعالم بعد ان كان حرا في الخارج.
تلخص الموقف العربي بإجماع قمة بيروت في مبادرة الأمير عبدالله التي تتأسس على الارض مقابل السلام، وقيام دولة فلسطينية على حدود عام 67 مقابل اعتراف جميع الدول العربية بإسرائيل وحل القضايا العالقة بناء على القرارات الدولية الصادرة بهذا الشأن وللاسف لم تكن اوراق الضغط العربي كافية لتفعيل المبادرة.
باستمرار كان العرب يربطون قضاياهم بعضها ببعض وكانت واشنطن ترفض دائما هذا الربط.
رفض بوش الاب الربط بين القضية الفلسطينية وتحرير الكويت من الغزو الصدامي لكنه حتى لا ينفرط عقد التحالف وعد بعقد مؤتمر دولي بشأنها عقب تحرير الكويت.
كما رفض بوش الابن الربط بين القضية وتحرير العراق!
المسألة هنا تتجاوز رغبة أمريكا في تجنب تهمة ازدواج المعايير بالاصرار على فصل الملفات «مثلما يحدث حاليا حين تتهم دمشق بتطوير اسلحة كيماوية ثم ترفض ربط هذا بالترسانة النووية الإسرائيلية». الازدواج واضح لكن امريكا لا تعاني مشاعر ذنب بسببه. كل من بوش الاب والابن تعامل مع القضية الفلسطينية مباشرة بمجرد الانتهاء من حرب «التحرير» «الكويت من العراق والعراق من صدام». فكانت اسلو ثم خارطة الطريق حاليا، وهذا يعني ان الربط قائم في ذهن الادارة الأمريكية لكنه يطرح مرحليا وليس بالتوازي كما تأتي الرؤية العربية.
في كلا الحربين كانت إسرائيل تظهر كشريك اساسي في غنائم الحرب «جولة باول مؤخرا هي لاهداء مكاسب الحرب الاخيرة إلى اسرائيل والخطاب واضح لسوريا : حل حزب الله، عدم دعم جماعات الرفض الفلسطينية والخروج من لبنان، أي ان باول يقوم بالجولة نيابة عن ارييل شارون».
ايضا تبين تهافت الحضور الدولي «الصوري» المصاحب لخارطة الطريق مقارنة باسلو والقدرة المحدودة على التفاوض التي اتيحت للعرب مع اسلو انعدمت مع خارطة الطريق بما يعني ان العرب بعد كل حرب كانوا يفقدون المزيد من اوراق الضغط عند التفاوض. الموقف الآن مزيد من الضغط في اتجاه واحد، على الفلسطينيين الذين يصرون دائما على تضييع مثل هذه الفرص التاريخية.
من هنا يجرى تسويق الخارطة باعتبارها آخر ما يمكن تقديمه للفلسطينيين اما القبول به وإما بقاء الحال على ما هو عليه حتى اشعار آخر.
التسويف
تعرضت الخطة لعملية تسويف اكثر من مرة بحجة الانتحابات الإسرائيلية ثم انتظار تعيين رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية، لينتهي الوقت المحدد للمرحلة الاولى من الخطة «مايو 2003» قبل ان يعلن أي من الطرفين الموافقة على الخطة اصلا!! ومن المحتمل مع وجود ملاحظات إسرائيلية على الخطة ان يتم تأجيل التنفيذ ثم يتجمد الموقف لانشغال الرئيس بوش بالانتخابات.
وهذا ما يؤكده الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري الذي يرى ان الخطة تفتقد إلى جدول زمني واضح وتكتفي بإعلان اقامة الدولة الفلسطينية في 2005 كما يرفض الفقي ان تكون المفاوضات تحت مظلة أمريكية فقط وانه من الضروري وجود دور فاعل لمجلس الامن. لكن يبدو ان الولايات المتحدة تناست اللجنة الرباعية «روسيا والامم المتحدة والاتحاد الاوربي» لتهميش الدور الدولي، مثلما همشت الدور العربي ولم تذكر المبادرة العربية في نص الخطة الا فيما يتعلق بعودة العلاقات الطبيعية بين الدول العربية وإسرائيل..
خارطة الدم
يرى عدد كبير من المحللين ان اغلب البنود الواردة في الخطة هي املاءات على الفلسطينيين وبالمقابل لا تلزم الإسرائيليين بشيء واضح بل يتحول الطرف الإسرائيلي من خصم إلى حكم، فهو الذي يعلن ان كانت حكومة ابو مازن استأصلت الارهاب ام لا وعلى اساسه تستكمل الخطة والمهمة الموكولة إلى ابو مازن والعقيد دحلان على وجه الخصوص كانت مثار جدل قبيل تشكيل الحكومة خوفا من نشوب حرب اهلية، أو على الاقل خسارة ورقة المقاومة ووأد الانتفاضة دون ثمن. وهذا ما جعل البعض يتحدث عن دماء على خارطة الطريق ويرى المحلل السياسى حسين عبد الرازق امين حزب التجمع المصرى ان الخوف ليس فقط من الحرب الاهلية ولكن من رفض الخطة نفسها من قبل احد الطرفين، فما العمل في تلك الحالة اذا فشلت الولايات المتحدة في الضغط على الطرفين لقبولها؟! خاصة ان الخطة مرهونة ب «فيتو» اسرائيلي يمكن له ان يوقفها في أي مرحلة.
التفاوض الغامض
يجمع الخبراء ان الخطة تتعمد اغفال الشرعية الدولية وتنسف قرارات مجلس الامن السابقة في محاولة لخلق اطار جديد للتفاوض يتسم بالعمومية والغموض فمثلا تتحدث الخطة عن دور للمراقبين رغم ان المراقبين موجودون بالفعل ويضرب بتقاريرهم عرض الحائط.
وايضا لا يُنص صراحة على قرارات رفض تهويد القدس، واتخاذها عاصمة لإسرائيل، وعدم مشروعية الاستيطان، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، ورفض سرقة الموارد الفلسطينية، وعدم اللجوء للوسائل الإكراهية لإجبار إسرائيل على وقف عصيانها.
ويرى المحلل السياسى اللواء طه المجذوب ان إسرائيل تسعى دائما في استغلال الفرص للابتزاز وتحقيق أطماعها. فقد عرضت أنه مقابل عدم معارضة حكومتها لإقامة دولة فلسطينية فلابد من طمس قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي الأبد وشطب هذا المطلب الفلسطيني والبرهنة علي صدق هذا التوجه وأن هذا يتطلب أن تعترف القيادة الفلسطينية بأن إسرائيل كدولة لليهود لا يمكنها أن تقبل حق أي فلسطيني مهجر أو لاجئ أن يعود إليها. وتعلم إسرائيل أنه لا يوجد أي قائد فلسطيني مستعد لقبوله وبالتالي فإن اصرارها على هذا الطلب دون البحث في ايجاد حل مقبول قد يحول مبادرة استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية إلي وهم قد يؤدي إلى فشل خطة السلام ويصبح مصيرها هو مصير مبادرات أمريكية أخرى سابقة مثل خطة تينيت ومشروع ميتشيل ومبادرة انتوني زيني وغيرها ومن أجل تغطية هذه المواقف التكتيكية المعوقة لجأ المسئولون في إسرائيل وعلى رأسهم شارون إلى بعض الوعود الهلامية كالقول باستعدادهم إلى لتقديم تنازلات مؤلمة جدا عند الانسحاب من مناطق تعتبر قدس أقداس الشعب اليهودي.
من هنا تظل احتمالات نجاح الخطة ضئيلة لاصرار واشنطن على ان تبدأ من حيث انتهى شارون لا من حيث انتهى العرب في قمة بيروت ومن ثم تترك القضايا الكبرى معلقة دون ان تتطرق إليها بما ينذر بفشلها في اية لحظة، بينما تركز على التعاون الامني واحياء خطة تينت، وهذا يكشف عن دور شارون في صياغة الخطة وان ابدى تحفظات عليها. فكما سعى لاخراج عرفات من اللعبة يسعى أيضاً لازاحة الانتفاضة من الطريق!.
|