هل وضعت الحرب أوزارها؟ ربما، تقنيّاً، ولوجستانياً، أو عسكرياً على نحو عام.
* لكن «أوزار» الحرب مستمرة، ولتحملنّ، أوزاراً مع أوزارها، ولتنتقلنّ هذه «الأوزار» أجيالاً عديدة وأماكن قريبة، وبعيدة.
* هذه حرب ملعونة، لأنها نسبياً حرب سريعة عاصفة، ولأن «الانتصار» العسكري فيها قاصم، واضح، وماحق، ولكن بواعثها ونتائجها، ودولتها المنتصرة، ومنطقة الاحتكاك الإقليمي فيها تجعل «النصر» السريع الماحق فيها سبباً رئيسياً في وصفنا لها بأنها حرب ملعونة.
* الحرب، تعريفاً، هي تصرف عنيف، يبعثر الأشياء. والحروب عادة ما تكون معروفة البواعث، والأهداف، وهناك نوع من الإجماع على هذه البواعث والأهداف، فكيف إذا كانت حرباً، لا يزال يدور جدل كبير حول بواعثها وأهدافها، ولا تحظى إلا بإجماع حفنة من الأصوات، ولا يبدو أن المنتصرين والمنهزمين فيها، يعرفون مواطئ أقدامهم، أو ينظرون، أبعد من أنوفهم.
* نجحت الحرب في بعثرة الاشياء سريعاً، وساحقاً، في العراق، وبعثرت الفرضيات والثوابت فيما، وراء العراق، وتكْمُن، الثوابت، منقضّةً ومهتزة، في الجوار، القريب، حول العراق.
* الجماهير التي شاهدت الحرب في منتدياتها، ومخادعها، وتناولتها مع طعامها وقهوتها في مجالسها العائلية، تعرضت لهذه البعثرة، عاطفياً، في مشاعرها، وذهنياً، في منطق الأمور، وسير الأحداث، ولا تزال تتعارك مع الأسئلة الجوهرية التي تمس حالتها الإنسانية، لماذا؟ وكيف؟ ثم ماذا، وأين ومتى؟
* الناس، عادة، يلجؤون إلى كبرائهم، وسادتهم، وحكمائهم، ليجدوا عندهم الإجابات، ويطمئنون إلى نظام بنيوي، يحفل بقلقهم وفزعهم ويربت على أكتافهم، ويمسح على رؤوسهم، ويمنحهم شيئاً من الثقة، بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وأن الأمور تحت السيطرة.
* ولكن الحرب، كعمل همجي ملعون، يبعثر الأشياء، يعبث بطمأنينة الأمور، ويهز مرجعياتها، وفرضياتها الثابتة.
* وهذه الحرب تبدو أكثر لعنة، لأنها أكثر عبثاً، بالثوابت، ولأنها أقوى أثراً في نقص هيبة المرجعيات والترتيبات، ولأنها نجحت، وعلى نحو سريع، وحاسم في نقض الحوائط التي تستند عليها، والأركان التي تأوي إليها، والكبراء، والسادة، الذين نستعين بهم.
* فهل نجرؤ على القول بأن الحرْب، قد وضعت أوزارها؟
|