كغيري يفجعني أن أرى أطفالاً صغاراً يستجدون الناس عند إشارات المرور وخاصة إذا كان أطفالي معي وعلي أن أشرح لأطفالي وضع هؤلاء الأطفال وأبرر لهم الحياة التي يعيشونها. ولكن هناك أسئلة كثيرة يطرحها أطفالي لا أستطيع الإجابة عليها أو لا أستطيع أن أشرحها كما يجب لأطفالي لأسباب ثقافية وأخرى تربوية.
أطفال الشوارع ظاهرة عالمية موجودة في بلاد كثيرة. ولكن العاقل يميز بين أطفال الشوارع كظاهرة عالمية وبين أطفال الشوارع كما هو ماثلة في المملكة «على الأقل في الرياض». فكما جاء في الدراسات المختلفة: أطفال الشوارع هم الأطفال الذين يقضون حياتهم في الشوارع، ينامون في الحدائق وتحت الكباري وعلى الأرصفة ويقتاتون من براميل الزبالة وتنتشر بينهم الأمراض والأوبئة ويتعرضون للاستغلال والاستخدام غير المشروع كالمتاجرة بهم في الجنس وتوزيع المخدرات في ظل غياب كامل لذويهم. وكل هذا الكلام غير موجود بين أطفال الإشارات في الرياض. أظن الأفضل أن نسمي هؤلاء «أطفال الإشارات» كبديل موضوعي وعملي لاستعارة مصطلح أطفال شوارع من الآخرين.
نحن نسيء لأنفسنا ولسمعة بلادنا دون أن نعي خطورة ذلك. لأننا ننسب لنظامنا الاجتماعي ولحكومتنا فشلاً غير موجود.
إن أطفال الإشارات الذين نراهم أمامنا ربما كانوا نواة لمشكلة كبيرة تنتظرنا في المستقبل ولكن التنبؤ شيء والواقع القائم شيء آخر. هذا يفرض علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها. عندما نصف الأشياء علينا أن نصف الأشياء كما هي لا أن نستعير المصطلحات خبط لزق. فمصطلح «أطفال شوارع» بالنسبة لنا كلام رومانسي يصلح أن يكون عنواناً لمسرحية أو عنواناً لقصة حزينة من قصص محمد عبدالحليم عبدالله أو قصيدة تنشر على صفحة كاملة في الجريدة مع زبرقة إخراجية، ولكنه لا يصلح أن يكون عنواناً لبحث أو دراسة أو حتى مقالة في المملكة العربية السعودية. لأن هذا الشيء غير موجود جملة وتفصيلا.
يذكرني ترديده في الصحف هذه الأيام بما كان يفعله بعض كتاب القصة في الثمانينات عندما استعاروا مصطلح «سكان المقابر». عجزت في حينها عن فهم دلالة سكان المقابر: كسعودي لا يمكن أن أتخيل أن يعيش إنسان في المقبرة. فالمقبرة السعودية صحراء قاحلة بالكاد توفر لسكانها الأصليين حفرة وكسرة لبن.
قدر لي أن أذهب إلى القاهرة فشاهدت بشراً أحياء يعيشون مع اخوانهم النائمين إلى الأبد في مقابر أعدت بطريقة لا يمكن لأي سعودي أن يفهم فلسفتها. ظاهرة لا يمكن أن توجد في المملكة ولكن اخواننا الباحثين والكتاب لا يكفون عن استعارة المصطلحات تحت تأثير قراءاتهم المستعجلة.
لدينا مشاكل على مقاسنا علينا أن نسميها بمصطلحات على مقاسها.
استعارة المصطلحات دون تدبر محتواها الثقافي آفة خطيرة نعيشها في المملكة في كثير من نواحي الحياة. أظن أن هذا يعود إلى غياب البحث العلمي الجاد. فالباحث الذي يخلط بين ظاهرة أطفال الشوارع كما هي في كولومبيا أو الأرجنتين وبين ظاهرة أطفال الإشارات في الرياض «بصراحة» ما عنده ما عند جدتي.
فاكس: 4702164
|