«هكذا هي الإدارات السياسية في العراق منذ عهد العثمانيين وحتى عهد صدَّام حسين تستخدم مطرقة العشائر عند الشدّة وتلقيها بعيداً ليأكلها الصدأ حينما تستتب الأمور» هذا الكلام جزء من مقال بعنوان (العشائر) كتبه الزميل سليمان الفليح في جريدة الرياض، الأربعاء 21/2/1424هـ (23/4/2003م) وألمح فيه إلى جهاد العشائر في طرد الإنجليز من العراق في ثورة العشرين وكيف توجه صدام في لحظة العسرة إلى العشائر يستنهضها لمقاومة الغازي الجديد، وأضيف إليه أنه بمثل ما فعل صدَّام فعل الغازي الأمريكي حين راح يستنهض العشائر العراقية لإسقاط صدَّام حتى خيّل للمتابع عنذ بدء الحرب أن نصر أحد الفريقين متوقف على من تقف العشائر في صفه.
وقد صدق ذلك ولكن ليس في تعاون العشائر العراقية مع أي من الطرفين، بل في مسارعتها لنصرة الشعب العراقي وقت عسرته حين انهارت الحكومة وانصرف الغازي لملاحقة جنودها أو تدمير مقارّها أو سلب المباني حتى الحضاري منها كالمتاحف والمكتبات، والتفت الناس حولهم عن راعٍ يرعى أمنهم وينظِّم أمورهم في هذه الساعات العصيبة ولم يجدوا من يتجهون إليه سوى شيوخ القبائل الذين تحملوا مسؤوليتهم وخاطروا بأرواحهم وبأرواح أبناء عشائرهم في سبيل تنظيم الأمن لأبناء بلادهم وكوَّنوا مع آخرين اللجان الشعبية لحفظ الأمن فامتشقوا السلاح ليحموا الأرواح والممتلكات، وحفظوا الأمن في البصرة والموصل والناصرية وربيعة وغيرها، أمَّا أصحاب الياقات اللامعة (الحزبية) على اختلاف اتجاهاتهم كما سمّاهم الزميل الفليح الذين قدموا من العواصم الأوربية فقد كان همهم كسب الغنائم السياسية لأحزابهم أو أفرادهم على حساب جروح الشعب النازفة، مع أن لديهم من العلائق مع الغازي ما يؤهلهم لخدمة الناس، إن كانوا صادقين في رضا الغازي عنهم وأن لهم مكانة عنده.
أما الفئة الثانية التي حملت هم المواطن العراقي لحظات انهيار السلطة فهم المشايخ الذين اعتلوا المنابر معلنين رفض الاحتلال متجاهلين تصويب الرشاشات إليهم خارج المساجد، داعين الناس إلى التظاهر سلمياً أو الامتناع عن التظاهر حفاظاً على أرواح الشعب العراقي، فكان العلماء أصحاب رسالة ومسؤولية لم يتخلوا عنها وقت الحاجة طمعاً في مناصب أو سلامة بأرواحهم وكان أمنهم في أمن الناس.
وبقيت بيوت الله تعانق السماء بمناراتها شامخة بهلالها على قذائف الغازي، وكانت الملجأ للناس اجتمعوا فيها حول العلماء يرشدونهم كيف يتعاملون مع الغازي لحفظ الدماء، لسكان ليس لديهم أي سلاح لمقاومة الغازي، وكانت المساجد هي المكان الذي جمع فيه السكان ما استطاعوا استرجاعه من المنهوبات ليأخذها أصحابها إذا أمنوا.
الشيوخ والمشايخ والمساجد وبعض أساتذة الجامعات والأعيان هم الذين لجأ إليهم الناس ساعة العسرة فنجحوا في وقت الشدة وأثبتوا أنهم أساس وإن همّشوا حين عدم الحاجة إليهم ولم يقابلوا طلب الناس إلا بتحقيق آمالهم فكان لهم ما أرادوا.
* للتواصل ص ب 45209 الرياض 11512 الفاكس 4012691
|