Monday 5th may,2003 11176العدد الأثنين 4 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هذا هو العصر الصهيوني هذا هو العصر الصهيوني
عبدالله الصالح العثيمين

مرّت البشرية بفترات تاريخية سُمّيت عصوراً، ونسب كل عصر منها إلى القوة المهيمنة على مسيرة الأحداث في أهم بلدان العالم أو المؤثّرة فيها بشكل واضح جلي. وتتعدد جوانب هذا التأثير وتلك الهيمنة، ويعضد بعضها بعضاً في كثير من الأحيان. هناك فترة زمنية سُميت -مثلاً- بالعصر الهيلنستي، وأخرى سُميت بالعصر الروماني.. وهكذا.
ولقد بدأ اليهود جهودهم المكثّفة لفرض نفوذهم على العالم منذ زمن بعيد. وكان من هذه الجهود بثُّ مبادئ الماسونية التي راقت لعدد من ذوي المكانة السياسية والاجتماعية في أقطار المعمورة، وبخاصة المتقدمة علمياً واقتصادياً، مثل أوروبا وأمريكا ثم نشطوا على مسرح الأحداث بترسيخ فكرة الصهيونية التي لم يقتصر اعتناقها على فئات كثيرة منهم في، بل أيدها واعتنقها فئة لايستهان بها، عدداً ومكانةً، من المسيحيين وأصبحت كل من الماسونية والصهيونية تكمل الواحدة الأخرى.
والمتأمل في تاريخ أمريكا يجد ان كثيراً من الأوروبيين الأوائل الذين اغتصبوا أرضها من سكانها الأصليين، وأبادوا أكثرهم، كانوا من المسيحيين الذين تغلغلت في نفوسهم المبادئ الصهيونية، كما يجد أن عدداً غير قليل من قيادات أمريكا كانوا ماسونيين. وربما كانت نسبة المتصهينين المسيحيين من ذوي النفوذ في أوروبا أقل من نظرائهم أصحاب النفوذ في أمريكا. لكن يظل تأثير تصهينهم واضحاً ومؤثراً.
لقد ظهرت بوادر نجاح الصهاينة في مساعيهم لتنفيذ مخططاتهم وبخاصة تلك المتصلة باغتصاب فلسطين، منذ الحرب العالمية الأولى.
ذلك أنهم نجحوا -خلال تلك الحرب- في الحصول على وعد بلفور المشهور، الذي تعهد فيه بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وأفلحوا في أمرين مهمين بعد ذلك الوعد مباشرة: أول هذين الأمرين أن بريطانيا المنتدبة على فلسطين عيّنت أول حاكم لها رجلاً صهيونياً اسمه صاموئيل ولهذا ما له من أهمية في تمهيد كل السبل أمام الصهاينة لوضع ماخططوا له موضع التنفيذ. وثاني الأمرين أن الرئيس الأمريكي، ويلسون، أيّد ذلك الوعد، والتزم بمساعدة الصهاينة على تحقيقه.
ولهذا ما له من أهمية قصوى لأن الرئيس المذكور كان صاحب المبادئ المشهورة التي منها حق الشعوب في تقرير مصيرها. وهو بتأييده ما أيّد والتزامه بما التزم به يناقض ما أعلنه من مبادئ، إذ يحرم الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره. وإضافة إلى ذلك فإن أمريكا بعد الحرب العالمية الأولى قد أصبحت قوة عالمية يحسب لها ألف حساب. ولهذا كثّف الصهاينة جهودهم للهيمنة على مراكز القوة في تلك البلاد اقتصاداً وإعلاماً وصناعة سينمائية، فنجحوا في مساعيهم نجاحاً باهراً.. لذلك لم يكن غريباً أن يلبي الرئيس الأمريكي ترومان رغباتهم، فيضغط على بريطانيا أن تسمح لمئة ألف يهودي بدخول فلسطين واستيطانها، وأن تكون دولته أول دولة تعترف بشرعية قيام الدولة الصهيونية في تلك البلاد. ومازاد مرور الأيام نفوذ الصهاينة في أمريكا إلا رسوخاً وثباتاً.
وبعد الحرب العالمية الثانية ازدادت الولايات المتحدة الأمريكية قوة وعظمة، وازداد ارتباطها باسرائيل وثوقاً وعمقاً وتشعباً. ولازدياد هذا الارتباط بين الطرفين أثره المأساوي الخطير في العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة. ولا داعي لتفعيل ماحدث خلال العقود الماضية من دعم للدولة المغتصبة لفلسطين وبعض الأراضي العربية الأخرى سياسياً وعسكرياً ومالياً ذلك أن هذه أمور معروفة كل المعرفة وواضحة غاية الوضوح على أن ما يشاهد في الوقت الحاضر أشد وأفدح من كل مامضى فالجرائم التي يرتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، إنساناً وأرضاً وحضارةً، ترتكب بأسلحة معظمها أمريكية، وتمّول بأموال غالبها من مساعدات أمريكية بل يدافع عن هذه الجرائم الفظيعة قادة أمريكا، ويصفون زعيم مرتكبيها بأنه رجل سلام، كما يصفون المقاومين لاحتلال أرضهم المدافعين عن أنفسهم من الفلسطينيين بأنهم إرهابيون.
وكان من نتائج الارتباط الوثيق الراسخ بين الدولة الصهيونية وأمريكا ان بدت مواقف الدولة الأخيرة تجاه العرب وكأنها تبنٍّ لمواقف الصهاينة ، تبنًّ دون حدود. كانت الإطاحة بحكم شاه إيران وتغيير هوية هذه البلاد إلى هويتها الإسلامية من الأمور المزعجة للدولة الصهيونية.. ففي عهد الشاه كان لسفارتها في طهران دور كبير في إمدادها بالنفط الإيراني، وفي توثيق علاقة مخابراتها، الموساد، بالمخابرات الشاهنشاهية، الساخال. ولما قامت الثورة حوّلت تلك السفارة إلى سفارة لفلسطين، وقطعت العلاقات مع الكيان الصهيوني. لذلك كان لابد من معاقبة تلك الثورة من قبل أمريكا نيابة عن ذلك الكيان وكان وقوفها مع حاكم العراق السابق ضد الثورة الإيرانية من وجوه تلك المعاقبة. ولما تبين أن ذلك الحاكم قد خرج من حربه مع تلك الثورة برصيد قوي من جيش مدرب وتصنيع حربي رفيع اتضح انه خطر استراتيجي كبير على الدولة الصهيونية. فكان لابد من إزالة ذلك الخطر. ودولة عظمى بحجم أمريكا لاتعدم وسيلة اغراء من تريد وقوعه في الفخ الذي تنصبه كي يقع فيه. وكان لقاء رئيس مخابراته، فاضل البراك، مع رئيس المخابرات المركزية الأمريكية في مدريد قبل عامين من غزوه للكويت مشجعاً له على ذلك الغزو. ثم تلا لقاء مدريد لقاؤه شخصياً مع السفيرة الأمريكية في العراق ليؤكد ذلك التشجيع.
ووقع ذلك الحاكم، بغبائه وبدكتاتوريته التي لم تكن تسمح لأحد بأن يشير عليه بما هو الأصلح، فيما أُعد له. وكان احتلاله للكويت، ظلماً وعدواناً، أول مسمار في نعشه. فقد أجبر على الانسحاب منها، وحطم جيشه وبنية بلاده الأساسية. ولذلك لم يكن غريباً أن يقول وزير خارجية أمريكا، بيكر، في مذكراته إن أكبر مساعدة قامت بها دولته لصالح إسرائيل القضاء على قوة العراق التي تمثل الخطر الاستراتيجي الحقيقي على هذه الدولة المغتصبة لفلسطين وأراضٍ عربية أخرى. وكان ضرب العراق الأخير مكمِّلاً - كما قال عدد من جنرالات الصهاينة- لما قيم به عام 1991م.
والآن تحاول أمريكا ان تفرض على سوريا أموراً كلها تصب في مصلحة الكيان الصهيوني. بل إنها في حقيقة الأمر مملاة من قبل قادة هذا الكيان. والله أعلم بما سيحدث على هذا البلد العربي، وبما سيحدث من فرض شروط على الفلسطينيين الذين اضطروا إلى تعيين رئيس حكومة ترضى به أمريكا، أو بالأحرى ترضى به الدولة الصهيونية وتدعمه.
ولعل من أوضح الأدلة على ان العصر الذي نعيش فيه الآن هو العصر الصهيوني انه يمكن ان يسبّ عيسى عليه السلام، بل ويقدح في عرضه عبر أفلام وكتابات في الدولة المسيحية التي تدين غالبيتها برسالته، ولايمكن ان ينتقد زعماء الدولة الصهيونية على مايرتكبونه من جرائم. فكل من يطمح إلى الزعامة، أو يرجو الاستمرار فيها، لابد أن يُظهرَ ولاءه ومحبته لهذه الدولة المجرمة.
والله المستعان

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved