عندما أراد القائد الفرنسي نابليون بونابرت تعيين جنرال جديد، سأل إذا ما كان ذلك المرشح للمنصب يمتلك المؤهلات الرئيسية لهذه الوظيفة أم لا، وكانت تلك المؤهلات هي: الحظ، ولا يوجد أي سياسي فرنسي في التاريخ المعاصر ينطبق عليه ذلك الشرط أكثر من الرئيس الفرنسي جاك شيراك.
ويبدو شيراك الآن الطويل القامة والنشيط والذي يبلغ من العمر 70 عاما في صحة جيدة، كما يستطيع محادثة أي قائد أجنبي بالهاتف والسفر بصورة متكررة، وكرجل متفائل فإن شيراك يؤمن بأن المرء يستطيع أن يحصل على ما يريد إذا ماتوفرت لديه العزيمة والتصميم.
وقد خاطر شيراك بالإعلان في حملته الانتخابية بأنه سوف يقلل الضرائب بصورة حادة، وذلك لتوقعه بتحقيق نمو اقتصادي يبلغ 5 ،3% لعام 2002، وبالفعل حدث تغيير في الميزانية، ولكن ما حدث أن النمو قد تراجع إلى نسب متواضعة بلغت 5 ،1%، كما ازدادت معدلات البطالة وتباطأ نمو الأسهم، وكنتيجة لذلك تعدى الدين المحلي المستوى المسموح به طبقا ل«معايير» ميزانية الاتحاد الأوروبي.
أما تركيز شيراك الأساسي فقد انصب على قضايا السياسة الخارجية، كما أنه يعمل بجد مع وزير خارجيته دومينيك دو فيليبان، وهو رجل ديبلوماسي سابق ورومانسي وعاطفي، ويشعر بالفخر أنه حظي بالثناء في مجلس الأمن بسبب معارضته لمحاولات الولايات المتحدة الحصول على دعم من الأمم المتحدة لشن حرب وقائية ضد العراق.
وقد كان ذلك الموقف الفرنسي يعكس الشعور الأوروبي المنتشر في أرجاء القارة، وهو أن الرئيس العراقي صدام حسين لم يكن يمثل أي تهديد حقيقي على السلام العالمي، كما كانت هناك طرق أخرى لنزع أسلحة بلاده بصورة كاملة.
وفي الوقت الذي قدم فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش المزاعم العراقية بحيازته لأسلحة الدمار الشامل كذريعة للغزو، فإنه في المقابل فشل في العثور على أية أدلة تفيد بوجود مثل هذه الأسلحة، سواء كانت كيميائية أو بيولوجية أو نووية.
كما ساهم الأداء الضعيف الذي قدمه الجيش العراقي ومقاتلوه في إلقاء ظلال من الشك على مقولة ان صدام حسين كان يخطط لهجوم عدائي ضد الولايات المتحدة.
وبنفس الدرجة، لم تظهر أدلة لتأكيد أن صدام تعاون مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
وكان من الواضح أن دكتاتور العراق كان يقبض على السلطة عن طريق ترويع شعبه وحكم الإرهاب، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي أن الولايات المتحدة استطاعت أن تزعم أنها قد حررت العراق، ولكن ماذا سيبدو شكل العالم إذا ما استطاعت القوى العظمى أن تهاجم دولة أخرى، فقط من أجل أنها ليست ديموقراطية بصورةكافية؟
كما أن هناك الضحايا المدنيين الذين يجب وضعهم في الاعتبار، والرأي العام العالمي غير مستعد للاعتراف بحق الولايات المتحدة في ان تكون وصية على العالم كله.
والسؤال هو كيف نعثر على طريقة أفضل لمقاومة هذا الادعاء؟!
الحل الذي قدمه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير هو أن يعمل من خلال الدول الاوروبية ولكن مع البقاء متمسكا بحلفه مع جورج بوش، في الوقت الذي يتصرف فيه وكأنه بمثابة القنطرة بين أوروبا وأمريكا.
ولكن طريقة شيراك كانت معارضة سياسات البيت الأبيض بصورة موسعة، والاعتماد على القادة العالميين الآخرين الذين يتفقون معه في وجهة نظره؛ مثل المستشارالألماني جيرهارد شرودر والرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ولكن هذه السياسةاستقبلت ببرود شديد من واشنطن، فطبقا لمستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس، فإن روسيا تستحق أن «يغفر لها» وألمانيا يمكن «تجاهلها»، ولكن فرنسا يجب أن «تعاقب».
ونتيجة كل ذلك هو أنه تم تنحية الأمم المتحدة جانبا، كما دب الانقسام بين أعضاء منظمة حلف شمال الأطلنطي، وانقسم الاتحاد الأوروبي إلى معسكرين، في الوقت الذي يقوم فيه بفتح أبوابه إلى الأعضاء العشرة الجدد، فكيف تحافظ إذن الدول الأوروبية على هويتها واستقلاليتها إذا لم يستطيعوا إعادة الروابط بين بعضهم البعض؟
وقد بدا شيراك في الوقت الراهن وكأنه خاسر، وسمح بإعطاء الفرصة لفرنسا لتدفع ثمنا باهظا من الناحية الاقتصادية بسبب معارضتها لواشنطن، وينبغي عليه أن يعثر على طريقة تساعد على مداواة جراح فرنسا الذي ساعد في تعميقها بعدما هدد باستخدام الفيتو الفرنسي في مجلس الأمن، مما جعله كنتيجة لذلك يبدو وكأنه عدو لملايين الأمريكيين.
( * ) رئيس تحرير سابق لصحيفة
|