عناد النظام العراقي قد أدى إلى الحرب.. والحرب انتهت إلى الدمار.
الولايات الأمريكية فعلت أقسى ما تستطيع فعله من خراب داخل العراق، فهي لم تستهدف النظام العراقي فقط، بل استهدفت البنية التحتية للعراق الذي وجد نفسه الآن في مأزق الحرب الثانية التي يمكن تسميتها بحرب الأعصاب كأقسى ما تكون حرب الأعصاب، كارثة قومية أخرى.. إن سألت عراقيا عن أحلامه الأكثر حميمية سيقول لك: الخبز والأمن، ربما في منظور شعب عاش الظلم طوال ثلاثين عاما، لم يعد يفرق العراقيون بين ما هو حقهم الشرعي وما هو «هبة» من العالم لهم، هم يعتبرون المساعدات الأممية مثلا هبة، وينسون أنهم يدفعون ثمنها من خبزهم اليومي أيضا، فداخل الحرب ليس هنالك شيء مجاني أبدا، السؤال الذي نريد معرفة الرد عليه هو: ماذا بعد الآن؟
الحرب بمعناها العسكري انتهت، ما زالت الحرب النفسية، هي التي تريد أن تسري على الجميع، لم يعد الأمريكيون يشعرون بالحاجة إلى تبرير أفعالهم أو حتى ممارساتهم، إنهم يملكون الحق في عمل أي شيء، وكل شيء، في أي وقت وفي كل مكان، هذه فكرة صارت عامة، وصار العالم للأسف يتعامل معها أيضا كأمر واقع لا نقاش فيه، ربما لهذا السبب قررت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ إعطاء السياسة الخارجية بعداً آخر، ربما لإزعاج الأمريكيين والبريطانيين بالخصوص، فأن تقوم قوة شبه عسكرية خارج قرارات الناتو الأمريكية فهذه كارثة، «توني بلير» يقول متهما فرنسا بأنها «رئيسة عصابة»!
قرار «الاستقلال» المصغر سيكبر بلا شك، لأن دولاً أخرى سترى من مصلحتها رفض المشي تحت قبعة العم سام، أو تتبع طريق بريطانيا، طالما الأمور بدأت على شكل عرض عضلات، فليس هنالك شيء اسمه: اسمع أنا أملك حقاً لا تملكه أنت ! طبعا الحق الوحيد الذي صارت تريد أن تردده أمريكا على العالم هو حق تسيير شؤونهم وفق «الشرعية» التي جعلت منها القوة العسكرية الكبيرة على سطح الأرض.
النظام العراقي سقط، وصدام لن يخرج من مخبأه إلا معتقلا أو مقتولا، وهي حقائق تعرفها جيدا إدارة الحرب الأمريكية، ما الذي يحد من تحرير العراق حقيقة إذن؟ ما الذي يمنعها من توفير الغذاء والاستقرار؟ لا شيء قطعا.. لكن الصقورلا يعطون شيئا بلا مقابل، ولأنهم وضعوا حماية عسكرية مشددة على المناطق النفطية، كانوا يقولون ببساطة إن حياة العراقيين تعد من آخر همومهم.، طبعا علينا أن نصدقهم في ذلك كلما أطلق الجنود النار على المدنيين بحجة الدفاع عن أنفسهم، ونصدقهم كلما أصدر «جورج بوش» قرارا جديدا لتنفيذ الخطة التالية عبر تهديد دول أخرى بنفس مصير العراق، وهذا يعني أن المصير الذي وصل إليه العراق مأساوي بل بائس.. فأن يستعمل صقور الولايات الأمريكية عبارة «نفس مصير العراق» في كلامهم، وفي إجاباتهم على أسئلة الصحافيين، فهذا يؤكد ما نقوله حرفيا.
ما المطلوب من العراقيين اليوم؟ طبعا أكثر شيء مطلوب منهم هو: الصمت والرضا، وإلا ... ؟؟؟؟
هذا أمر مطروح، الأمر غير المعلن عنه هو خارطة الطريق المرتبطة آليا بما يجري في العراق، لأن تأخر الأمريكيين على طرحها بشكل رسمي، يدل على أنها مرتبطة بالعراق، بالتالي تحقيق «الاستقرار» بإخضاع العراقيين لسلطة العصا، يعني طرح الورقة للفلسطينيين على شكل «أمر واقع آخر» لن يكون خارج الطموح الإسرائيلي في نظرته إلى الصراع على الأرض. السفير الإسرائيلي في فرنسا أعلن أنه متفائل لأن «الأصدقاء الأمريكيين لم يخذلونا من قبل ولن يخذلونا من بعد..» هذا تصريحه لإذاعة فرنسا الدولية قبل يومين، ويعني أن خارطة الطريق سوف يسعى الأمريكيون من خلالها إلى نزع أظافر السلطة الفلسطينية المتمثلة في ياسرعرفات، وبالتالي نزع أظافر الفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى، بالخصوص التنظيمات الجهادية فيها، النتيجة هي العودة إلى «الاحتلال الأبيض» الذي يعني: أعطيك الخبز وتعطيني صمتك إلى الأبد، وهو نفس الهدف الذي تريد امريكا تحقيقه للعراقيين بنفس صيغة «خارطة الطريق» تلك؛ لأن المهم من الآن فصاعدا هو: أمن إسرائيل!
* «اللموموند» الفرنسية.
|