Sunday 4th may,2003 11175العدد الأحد 3 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المشهد بعيون صحفي المشهد بعيون صحفي
يوم سقوط تمثال صدام

بغداد - باول إيدل* :
كان صباح وبعد ظهر الأربعاء التاسع من أبريل بالنسبة لي عالمين مختلفين في عاصمة العراق، في الصباح، كانت بغداد لوحة ناطقة بالخوف، الشوارع الخالية، النهب والسلب والرعب من المسلحين.
وفي الظهيرة، كان الهواء ممتلئا بالفرح والارتياح والحرية في إمكانية طرح بعض الأسئلة الصعبة علنا لأول مرة منذ 35 عاما.
في الفجر، أيقظني انفجار قذيفة مدفع في جناح الطوارئ في مستشفى جراحة الأعصاب التخصصي في بغداد، لقد انهمك الجراحون حتى بعد منتصف الليل في عملية لزميل أصيب بقذيفة من دبابة أبرامز م-1 الأمريكية كانت قد أصابت فندق فلسطين في اليوم السابق.
في السرير المجاور، كان يرقد طفل أصيب، عمره 10 أو 11 سنة، وكان فاقد الوعي، وربما كان يحتضر، حيث تم إحضاره في اليوم السابق من قبل أناس قالوا أن نيران القذائف الأمريكية قد قضت على عائلته بأكملها.
أثناء القيادة من المستشفى إلى فندق فلسطين الذي يطل على نهر دجلة، رأيت فقط عراقيين مسلحين، كانت الخنادق وأكياس التراب التي أعدت خارج المباني الحكومية خالية، أما المدافعون عن بغداد، الأعداد الكبيرة من رجال حزب البعث وأفراد الاستخبارات ذوي الملابس العادية،فقد اختفوا.
وفي الفندق، فقد دهشت لرؤية رجل يبيع صحف اليوم اشتريت جميع الصحف المحليةاليومية - حيث كانت جميعها تبرز صورة صدام على الصفحة الأولى - كخطوة احتياطية خشية أن تكون الأعداد الأخيرة ! وفيما بعد، بينما كنت أقود السيارة مع الزملاء للتسوق، وجدنا الكثير من الناس في الشوارع، وكانت بسطات الخضار والمخابز مفتوحة، لكن الناس قالوا ان هناك سلباً ونهباً وإطلاق نار في الجوار.
لقد كان الذعر على وجوههم «الأمن معدوم» قال ذلك رجل بالقرب من دكان هل سيجلب الأمريكيون الأمن؟ هل سيضعون حدا للسلب والنهب والسطو؟ وعند سؤال فتاة لم تبلغ العشرين عما ستفعله إذا وصلت القوات الأمريكية، قالت:
«إذا رأيتهم سأقتلهم، إني اكرههم، لقد أتوا لسرقة بترولنا، أما والدها فقد أضاف: لا أحد يريد أن تحتله دولة أخرى، سيكون الأمريكيون أسوأ من أي شيء رأيناه من قبل.
على بعد ميل ، وجدنا الذين يقومون بالسلب والنهب، كانوا يحملون كل ما يستطيعون حمله من بنايتي الأمم المتحدة، كان أحد الرجال يجر مقعدا مع جهازي كمبيوتر وكرسي من الجلد مكدسة على طول الطريق، وآخرون كانوا في شاحنة صفراء يحاولون فك مولد نصف طن لونه برتقالي، وأثناء القيادة على أطراف الشوارع، رأينا سيارات تتحرك وأناساً يمشون وتوقفنا لنسأل عما كان يجري عندما رأينا أن الطريق أمامنا خالية، وعند تلاقي طريق كبير، وجدنا هيكلين محترقين لسيارتين مدنيتين وشاحنة وكان الشارع يقطعه الركام، وكان هناك شريط أبيض مربوط بين أعمدة الإنارة يسد الطريق في الاتجاه الجنوب شرق، العراقيون لا يستخدمون الشريط:إذاً الأمريكيون كانوا هنا!، بعد ذلك، لم يكن هناك شيء يتحرك على الطريق المرتفعة المؤدية إلى تقاطع الطرق.
سرنا حول الجزيرة وقررنا العودة لكن جماعة من الناس كانت عند باب المسجد صرخوا طالبين منا التوقف والنجدة كان معهم رجل نحيف بملابس مدنية ملقى على الرصيف وكان شاحب اللون يتصبب منه العرق وكان يئن من جرح عميق في فخذه الأيسر قام زميلي تيم لامبون وكان مسعفا مدربا بتجبير ساقه ثم حملناه إلى داخل سيارتنا.
أثناء قيادتنا بسرعة في الشوارع المهجورة إلى المستشفى أخذ الرجل يتمتم راويا قصته: لقد زار أخته في المستشفى ثم أخذ تاكسي عائدا إلى بيته لكن رجالا مسلحين كانوا في ميني باص أوقفوا التاكسي ثم أخرجوه وأطلقوا النارعليه فأصابوا ساقه دون أي تفسير لذلك ثم قام سائق التاكسي بإعادته إلى الجزيرة وطرحه خارج المسجد وعندما عدنا إلى فندق فلسطين وجدنا أن بعض الفريق التليفزيوني قد قابلوا وصوروا قوات أمريكية لكن زملاء عراقيين كانوا يسردون قصصا عن شباب من الضاحية الفقيرة لمدينة صدام حول الهرج والغضب الذي كان يحاصر ميليشيات حزب البعث المذعورين قرب وزارة الداخلية وإطلاق النار العشوائي قال فريق التليفزيون البرتغالي أن رجالا مسلحين بملابس مدنية أخرجوهم من سيارتهم وسلبوا نقودهم وكاميراتهم وضربوهم، ولم ينقذهم غيرمسؤولي حزب البعث.
وفي المساء، غادرنا الفندق، وبشيء من التوجس ذهبنا بحثا عن الأمريكيين وعندما دخلنا الجزيرة في سيارة فان صرخ زميلي كريج نيلسون قائلا انه رأى دبابة أمريكية تسير في الشارع أمامنا تباحثنا فيما سنفعل ثم استدرنا إلى الوراء وأوقفنا السيارة ثم خرجنا منها مشينا ببطء إلى الجزيرة وفجأة وصل صوت زمجرة الدبابة في الطريق واتجهت إلى جانبنا الأيسر.
رفعنا أيدينا إلى أعلى وواصلنا السير ببطء إلى الأمام وكان سائقنا يوسف الطايع رافعا منديلا أبيض على عصا. استدار برج الدبابة المستوي بسلاسة موجها مدفع الدبابة تجاهنا ثم سارت خلفنا.
لقد رأيت قوات أمريكية مموهة بلون الصحراء تسير على طول جانب الطريق وكذلك مجموعة من العراقيين في الجانب البعيد من الجزيرة يلوحون لنا ويهللون.
من الواضح أن معركة بغداد كانت قد انتهت قمنا بالتقاط الصور وتدوين الملاحظات ثم التقطنا صورا لكل منا أمام الدبابات ثم توالى وصول الصحفيين والمصورين وكذلك الجنود الأمريكيين.
وكانت العائلات تشاهد ما يدور من شرفات مجمعات الشقق المنخفضة المحيطة بالجزيرة وحول أحد الأركان كانت لحظة ذات معنى: لقد تسلق اثنان من الشباب إلى مبنى من ثلاثة طوابق اتضح أنه كان إدارة الحسابات لقوات الدفاع الجوي العراقية وأخذوا يمزقون ملصقا من 10 أقدام لصدام حسين بالسكاكين وأخذ جمهور صغير يهتفون من أسفل.
ثم بدأنا نجري مقابلات مع الجمهور متى اختفى رجال المليشيات والمقاتلون؟ قبل يومين! هتف الجمهور فرحا
متى صدقوا بأن حكومة صدام حسين قد سقطت؟ عندما رأينا الدبابات عندما رأيناهم بأم أعيننا صرخوا وهم يشيرون إلى أعينهم ثم اقترب رجل كبير في السن ذو لحية بيضاء مسترسلة كان يريد أن يتحدث مع هذا الشخص، نعم قال بهدوء إذا قلت أي شيء عن صدام حسين فسيقطع رأسك ورؤوس كل عائلتك. في وقت متأخر من الليل عادت بنا السيارة نحو فندق فلسطين بأمل التقاط صور علوية للقوات الأمريكية المتقدمة على الطريق قبل الغروب.
لكن المركبات كانت سريعة جدا بالنسبة لنا: كانت مركبتان نوع هامفيز تسير بسرعة في المقدمة ثم زمجرت دبابتان واستدارتا خلفهما سارت بنا السيارة في الجانب الخطأ من الطريق معهما ثم زحف مصور ألماني ذو شعر أشقر على برج الدبابة تسلقت سلالم فندق فلسطين وأنا ألهث وكنت أتصبب عرقا من تحت سترتي وفي الوقت الذي وصلت شرفتنا بالدور الرابع كان هناك العديد من دبابات أبرامز م-1 وامتراك واقفة على شكل دائرة خارج الفندق حيث تحيط بميدان عام ذي نوافير أعمدة نصر على شكل شبه دائرة وتمثال من البرونز لصدام حسين وبينما كنت أكتب هذه الكلمات الأخيرة قامت مركبة أمريكية مخصصة لسحب الدبابات بفصل التمثال وجره بعيدا عن قاعدته.

* خدمة كريستيان سيانس مونيتور - خاص بـ «الجزيرة»

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved