Sunday 4th may,2003 11175العدد الأحد 3 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الفتوى والاستفتاء في البرامج الإعلامية المباشرة 2 - 3 الفتوى والاستفتاء في البرامج الإعلامية المباشرة 2 - 3
فريد بن عبدالعزيز الزامل السليم/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - فرع القصيم

المَلَكات الاستقبالية للمفتي:
أهم الأركان التي يقوم عليها برنامج الإفتاء، هو المفتي، وبمقدار علو مرتبته «على المستويات كافة» يكون نجاح البرنامج، ويجب أن يتمتع المفتي بصفات تمكنه من دخول قلوب الناس، وبلوغ ثقتهم فيه، والغالب أنه لا يتقدم لمثل هذه البرامج إلا من كان فيه من تلك الصفات.
ولكن هناك أمور تعرض، خارجة عن حد السيطرة، يفرضها جو البرنامج، من كونه مباشرة على الهواء، وكون المستفتين على فئات شتى من الثقافة والعلم والأخلاق.. هذه الأمور قد ينتج عنها سلبيات كثيرة، تجر وراءها ما تجر، سببها فقدان بعض الملكات التي يجب توافرها عند المفتي.
إن البرامج المباشرة، تتطلب من المفتي سرعة الاستحضار للأحكام الفقهية وأدلتها، وهذه السرعة لا يمكن أن تتحقق إلا بعد أن يمارس المفتي الإفتاء لفترات طويلة، تكفل له الدربة على مثل ذلك، والمفتي يستقبل في هذه البرامج فئات متنوعة من الناس، فمنهم من انخفض مستوى العلم عنده إلى درجات البدائية، فيستفتي عن فروض الوضوء وشروط الصلاة، ومنهم من يشكل عليه أمور غامضة، يكثر فيها بين العلماء الاختلاف، ويتجاذب حكمها أدلة متعارضة ظاهرياً، أو مختلفة الصحة والصراحة، أو غير ذلك، فيجب على المفتي أن يكون مستعداً لكل هذا.. ومثل ما تحتله سرعة الاستحضار من المكانة، تحتل قوة الإدراك، والتمكن من فهم السؤال، إن إدراك المفتي للسؤال لتنبني عليه الفتوى، وتتضاعف خطورة الإفتاء بفتوى غير ما سأل عنه السائل في مثل هذه البرامج، إذ إن المستمعين يربطون بين سؤال المستفتي وفتوى المفتي، وقد حصل من هذا القبيل مرات متعددة في هذه البرامج، منها:
1- أن أحد المستفتين سأل عن حكم من ترك شيئاً من رمي الجمرات، فقال المفتي: عليه عن كل واحدة دم، وكان المفتي يقصد عن كل جمرة، فظن المستفتي وبعض المشاهدين أنه عن كل حصاة، ثم كرر السؤال، فقال: «عن كل واحدة يا شيخ؟» قال: «نعم، عن كل واحدة»!
2- وحادثة أخرى، أظهر خطأ وأشد نتيجة، وهي أن سائلة قالت: إني أحرمت للعمرة، ثم لما وصلت مكة حضتُ، فلم أخبر أهلي بذلك حياء، وأديت مناسك العمرة معهم، وأنا حائض، ثم تزوجت بعد عدة سنوات، وأنجبت أولاداً، فماذا عليَّ الآن؟ فرد الشيخ: يجب ألا يقربك زوجك، حتى ترجعين إلى مكة، وتؤدين العمرة، لأنك ما زلت محرمة، ثم إذا قضيت مناسكها، تعيدون عقد النكاح؛ لأنه عقد عليك وأنت محرمة، ولا ينعقد النكاح حال الإحرام. فقالت: هل أؤدي العمرة أولاً أم أعيد عقد النكاح؟ فأجاب إجابة يفهم منها أن الأمرين مستويان!!.. انظر كيف أدى عدم الإدراك والسهو إلى مثل هذا الخطأ.
ومما يجب أن يتحلى به المفتي، ضبطُ النفس، وعدم الاندفاع وراء أي محاولة استفزاز من المستفتين، سواء كانت متعمدة أم عفويةً، وقد حصل مثلُ هذا، وأدى إلى عواقب سيئة، فقد سأل سائل مفتياً في برنامج مباشر عن مسألة تتعلق بأمور سياسية، وعرض بعلماء بلد ذلك المفتي، وانتقدهم ا نتقاداً ظاهراً، وإن لم يكن صريحاً فما كان من المفتي إلا أن أجاب إجابة جيدة منضبطة، لكنه لما وصل إلى موضع الانتقاد من السؤال، تغير نمط الإجابة جذرياً، حتى وصل إلى كلام مبهم، فهم منه الدعاء على ذلك السائل.
إن هذا الموقف أفرز سلبيات كثيرة، من أهمها:
1- اقتناع الجمهور بانتقاد السائل، وإن لم يكن صواباً، تعاطفاً معه، وتمكن في أذهان كثير أن استفزاز المفتي دليل على صحة ما ادعاه.
2- لقد صار تصرف ذلك المفتي مرتعاً خصباً لمن يصطاد في الماء العكر، واستغل استغلالاً سيئاً، وحلل تحليلات متعددة، أكثرها مجانب للصواب.
3- كما عد ذلك التصرف منقصاً من قدر ذلك المفتي، مؤثراً على مكانته في قلوب الناس، لأن كثيراً من الجمهور لا يعمل العقل والمنطق في حياته، بل يتعلق بالظواهر الخادعة، ويبني تصوراً لا يغيره على موقف واحد، وربما يكون ذلك الموقف نتيجة أشياء عارضة، ولا ينم عن شيء من شخصية صاحبه.
إن ضبط النفس، يدفع بعد عون الله تعالى عواقب سيئة.. إنه سبيل إلى الوصول إلى قلب المجادل ومؤيديه، وإلى إقناعهم بما يُرى حقاً وصواباً.
ومما ينقص بعض المفتين في هذه البرامج، النظرُ إلى حال المستفتي، وقت الفتوى، وإلى التغيرات التي طرأت في العصر، وإلى مناحي تفكير الناس، وقوة إيمانهم وورعهم من عدم ذلك، إن غفلة المفتي عن ذلك، تؤدي به إلى الفتوى بما يكون سبباً لانفتاح الناس على بعض المعاصي، واتخاذ تلك الفتوى ذريعة لمعاصٍ كثيرة، وقد حدث مثل هذا، إذ سئل أحد المفتين عن عورة المرأة للمرأة، فأجاب أنها من السرة إلى الركبة، وهذا الجواب، عين الصواب، نص على ذلك الفقهاء،(1) ولكن الأمر أبعد من ذلك، فإن السائلة التي سألت هذا المفتى، كانت تسأل عن لباس النساء العاري، الذي يستر ما بين السرة إلى الركبة ويظهر كثيراً مما عداه، وهذا اللباس لا يقره ولا يبيحه من تأمل عظيم خطره، وكبير فتنته.
لقد انتشرت هذه الفتوى بين الناس انتشاراً عظيماً، وتناقلها الناس على اختلاف نياتهم، فبعضهم نقلها استبشاراً بها، وبعضهم استغراباً، وبعضهم نقلها بقصد الإنقاص من قدر ذلك المفتي، وقد اتصل بالمفتي جمع كبير جداً من طلبة العلم وغيرهم، يطلبون منه توضيح فتواه، والتفصيل فيها، وما كان منه - جزاه الله خيراً - إلا أن علق على تلك الفتوى في اللقاء الذي يليه، وبين خطر تلك الملابس العارية، وما قصد وراء السؤال من مقاصد.
مقدم البرنامج ودوره:
إن برامج الفتوى وخاصة المباشرة تستلزم أن تتضافر فيها الجهود لأن يصل شرع الله تعالى إلى الناس بطريقة سليمة، فإن لها أهمية خاصة بسبب هذا الجانب، ولذا فهي تستلزم الدقة والانضباط، ومقدم البرنامج يتحمل مسؤولية كبيرة، فهو حلقة الوصل بين المستفتين والمفتي، ويضطلع بدور كبير في إدارة الحلقة، وتوجيه الأسئلة، وانتقاء الموضوعات الأهم والأكثر قبولاً لدى الناس، كما أن له دوراً ظاهراً في توجيه المفتي إن وهم، أو فهم خطأ، أو أجاب إجابة موهمة..
إن كثيراً من المقدمين لا يعدو عمله أن يكون آلياً صرفاً، لا يتدخل في أي عمل جوهري للبرنامج إلا إلقاء الأسئلة، مع أن الحاجة إليه شديدة، وكثير من المستمعين يعلقون الرجاء عليه في أوقات متعددة، منها:
1- إذا سئل المفتي سؤالاً طويلاً، يتضمن فقرات عدة، فكثيراً ما نسي المفتي بعض الفقرات، أو استطرد، حتى نسي عجز السؤال، أو بدأ بآخر السؤال ونسي أوله، وفي هذه الأوقات يجب على مقدم البرنامج التدخل، ليأتي المفتي على كل فقرة.
2- وإذا أجاب المفتي إجابة عائمة، أو عامة، فيجب على المقدم التدخل، ليحدد الإجابة.. أما إذا عمد المفتي إلى الإجابات العامة، وهو مضطر لذلك، فيجب على المقدم عدم التدخل إلا بما يعزز هدف المفتي من صرف النظر عن السؤال، لأن بعض الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها، إما لأغراض شرعية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو ربما تكون الإجابة غائبة عن المفتي، فهنا يجب على مقدم البرنامج صرف النظر عن السؤال، لذا عليه أن يكون فطناً عارفاً حال المفتي وأسلوبه.
3- وإذا فهم المفتي السؤال خطأ، أو حاوره السائل، فاتضح أن السائل لم يفهم الإجابة، فعلى مقدم البرنامج إزالة الالتباس.

«1» شرح منتهى الإرادات 5/106

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved