«الخبر اليوم بفلوس وبكره ببلاش» مثل عربي قديم لم يقله صاحبه من فراغ ولكن من حقيقة وعن تجربة وهو يدل على تلهف البشر للحصول على الخبر الصحيح. وهذه الأيام تتناقل الصحافة ووكالات الأنباء العديد من الأخبار التي يقف المرء مذهولاً ومحتاراً أمامها في أي منها تكمن الحقيقة من نتائج الحرب الأمريكية على العراق التي سماها الرئيس الأمريكي جورج بوش بالصدمة والرعب واسمها الصحيح أقرب إلى الصفقة والهرب. ولعل قلمي يريد أن يكتب اليوم بفلوس قبل أن يكتب غدا ببلاش فأقول وبالله المستعان أن هنالك عدة سيناريوهات في هذه الحرب لخصها مندوب العراق لدى الأمم المتحدة بكلمته التاريخية «انتهت اللعبة» إذ لم يقلها هذا الدبلوماسي المحنك من فراغ وإنما من واقع مرير ولسان حاله يقول وهو يبكي إنه لا يستطيع أن يقول أكثر من ذلك وهو موجود على أرض الدولة العظمى وبلد الحرية!! وإلا كان مصيره بكل سهولة أن يكون في عداد المفقودين ومن ثم لا يستطيع أي من كان أن يسأل عن مصيره بعد ذلك. لكن تلك الكلمة التي أطلقها لامست عقل من عنده أقل درجات الفطرة وصحة الضمير.
وأول هذه السيناريوهات :هي أن الرئيس المخلوع صدام حسين عميل أمريكي تم زراعته في قلب الشرق الأوسط وتم استخدامه أولاً في ضرب الثورة الإيرانية وإحراق جيشها بالأسلحة الكيماوية وضرب مدنها بصواريخ اسكود وكبح جماح الخميني من تصدير ثورته للخارج. والدليل على ذلك هو الدعم والمعونات الأمريكية للعراق أثناء حربه تلك.
وثانياً: استخدامه سبباً لدخول القوات الأمريكية لمنطقة الخليج التي كانت تبحث عن أي فرصة لذلك منذ عشرات السنين حين كانت تقابل أمنياتها تلك بالرفض القاطع من دول الخليج لكن بعد اجتياح الجيش العراقي السافر لدولة الكويت وتهديده لبقية دول المنطقة اضطرت بعض دول المنطقة لطلب المساعدة من القوات الأمريكية.
ثالثاً: كان مساعداً بشكل أقل في الضغط النفسي علي دولة المواجهة مع العدو الإسرائيلي وهي دولة سوريا التي لم تكن تأمن جانبه.
رابعاً :تركيا حيث دعم صدام حسين حزب العمال الكردستاني الذي شكل قلقاً كبيراً للدولة التركية وأضعف وضعها وتركيزها علي قضيتها المصيرية في قبرص.
ولما كان العراق يملك جيشاً جراراً يسانده جمع من خيرة العلماء والأبطال ومزود بمختلف الأسلحة كان هم القيادات الأمريكية البحث عن الكيفية التي يمكن بها التخلص منه بعد أن حققت أهدافها لكي لا يتقلب عليها يوما من الأيام، لذا رأت أن لابد من تدميره عن طريق حرب تحرير الكويت حيث لم يأمر صدام حسين قواته بمهاجمة القوات الأمريكية وتركها تتجمع أمام قواته لعدة أشهر حتى اكتملت لتدمر جيشه دون أي مقاومة «وكأنها لعبة» لكن انتفاضة الشيعة في الجنوب ساعدت في تأخير المخطط الأمريكي لخشيتها من ولاء الجنوب العقدي لإيران فتركت مسرح العمليات بصورة مفاجئة لصدام حسين لكي يسحق الشيعة.
وبعد أحداث سبتمبر التي استغلها اليمين الأمريكي المتطرف لتنفيذ مخططاته ببجاحة أكبر نظراً للانبطاح العالمي من فورة الغضب الأمريكي فحاول إشعال الحرب دون أي مبرر «لأنه لم يعد بحاجة للمبررات» وحتى بعد رفض من المجتمع الدولي والأمم المتحدة. وبعد بداية الحرب بدأت تتكامل فصول اللعبة فلقد كان المرء لا يصدق عينيه وهو يرى الجنود الأمريكان يمشون على أقدامهم وسط العراقيين دون خوف وكأنهم في إحدى ولاياتهم وأكدها الوزير الجماهيري الصحاف الذي كان بعد كل قصف لمبنى أو وزارة يدخل ذلك المبنى دون خوف ويتحدث لرجال الإعلام وكأنه متحدث أمريكي والطائرات الأمريكية تحت إمرته ولن تقصف المكان مرة أخرى!! وأكدها بكلمته التخديرية للمقاتلين الصادقين من شعبه لكي يأخروا المقاومة «إننا نمدهم مثل الحية وعندما يصل رأسها لبغداد نقصها هنا» وبعد أن وصلت رأس الحية إلى بغداد أين ذهب رأس الصحاف نفسه؟؟؟ كما أن مسرحية تحرير الرهينة من فك العدو وتحرير الرهائن الذين أسروا من طرف الفلاحين والمواطنين دون أن يصيبهم أي أذى وكأنهم في منتجع وليس في معتقل. وكذلك اعترافات أكثر الضباط ذوي الرتب الصغيرة بأن كبار المسؤولين كانوا يطلبون منهم عدم مقاتلة القوات الأمريكية.
أما السيناريو الثاني فتكون حاشية صدام حسين هي التي ساقته للمجازفات والحماقات التي ذكرتها في البداية وجميعها من تدبيرهم ولكن كان باسم صدام ولم يكن لهم دور واضح إلا بعد سقوط المطار واستعادته بواسطة ثلة من المقاتلين العرب والعراقيين وقتل وأسر العشرات من الجنود الأمريكان فتمت هنا الصفة ببيع عراق صدام مع صدام من قبل نواب صدام وقادة الحرس الجمهوري وذلك بتحديد مكان صدام والتخلص منه والاستسلام الكامل مقابل تسليم هؤلاء الخونة مراكز قيادية كبيرة بعد الحرب، وأعتقد بأن قائمة المطلوبين الخمسة والخمسين مطلوبة للتكريم وليس للعقاب وسوف يتم ظهورهم على مسرح الأحداث بشكل مسرحي مرة أخرى لتكتمل اللعبة.
وأتمنى أن يكون خبري بفلوس الآن قبل أن يصلكم غداً ببلاش فلا ننخدع بقوة الأمريكان فإنها لعبة.
|