بقدر ايماني بالتغير الذي هو لاشك سنة من سنن الحياة فلست في الحقيقة من أنصار التغيير لمجرد التغيير، وبسبب هذا اعتقد ان التشكيل الوزاري الاخير الذي شهدته البلاد من شأنه بعونه تعالى ان يحقق ما يصبو اليه ولاة الامر ويتطلع اليه المواطن من عزة ورفعة لهذا الوطن المعطاء، اقول ذلك لقناعتي بأنه مثلما ان هناك تغيراً وتغييراً فثمة «تغيير من اجل التغيير وحسب»، واعني بالنوع الأخير هذا ما يحدث غالباً من تغييرات داخلية لاتهدف الى اصلاح الاوضاع بقدر ما هي موجهة في الاساس الى اخراص ألسن المعارضة وذر الرماد في عيون الناخبين وغير ذلك مما يدخل ضمن «الاستهلاك» السياسي/الاعلامي غير المنتج كما يشيع ذلك في بعض مجتمعات العالم الثالث التي سرعان ما تتبنى حكوماتها هذا النوع من الاستهلاك الفارغ كلما وجدت انها على شفا مأزق سياسي او اقتصادي من شأنه ان يمنح المعارضة فيها فرصة تسنم الحكم بديلاً لها.
ولاشك في ان التغير يختلف عن التغيير من حيث ان الاول غالباً ما يكون تلقائياً بينما يكون الثاني مقصوداً ومخططاً له بشكل ان لم يحدث من ورائه ما هو مأمول فلن ينجم عنه في الغالب ما هو عكس ذلك، وبتطبيق ذلك على ما تم لدينا مؤخراً من تشكيل وزاري اعتقد شخصياً انه تشكيل يناسب قطعاً ظروف المرحلة الآنية ولا يتناسق حتماً مع ما سوف يعقبها من مراحل في المستقبل، واعني بظروف المرحلة هذه ما استجد عالمياً من توجهات سياسية واقتصادية وما تشهده على وجه الخصوص منطقتنا من احداث عسكرية الامر الذي يصح معه القول بأنها مرحلة بالغة الحساسية لاتحتمل «غير اليقين» حين التعامل مع معطياتها وتداعياتها وامر كهذا قد لا يتحقق إلا بأفراد سبق لهم خوض غمار هذه الاحداث مما اكسبهم الخبرة بطبيعة متغيراتها، اما بالنسبة لمدى مناسبة هذا التشكيل للمستجدات المستقبلية فيكفينا في هذا الصدد حقيقة ان العمل الوزاري مثله في ذلك مثل اي عمل آخر تشحذه الممارسة وتصقله التجربة وينضجه الزمن بشقيه الكيفي والكمي ولاشك في ان الزمن في معادلة الخطأ و«التصحيح» معيار له من الاعتبار الجلي حسبما له من التأثير الجوهري.
حقاً انني سعيد بهذا التشكيل الذي اتمنى من الله سبحانه ان يزرع فيه من البركة ما يحقق مأموله للدين والحاكم والوطن والمواطن، غير انني اتمنى ان نبدأ بالنظر الى «التغيير» بشكل شمولي لا يقتصر على الافراد فقط حيث من المفترض ان يتجاوز التغيير الفردي الى التغيير المؤسسي ويدخل ضمن ذلك طبعاً مراعاة حقيقة ان التغيير حين لايصيب رأس المؤسسة او بالأصح الوزير فليس معنى هذا عدم أهمية حدوثه داخل كيان المؤسسة او الوزارة ذاتها حيث يجب ان يطال التغيير بعض الهياكل الادارية الفاعلة في هذه الوزارة لاسيما منها ما يقع بالقرب من القمة مثل الوكلاء والوكلاء المساعدين ومديري العموم ومن في حكمهم ادارياً.
|