سنة الحياة وسنة الله في خلقه، ألا يستمر الانسان في عمله، وأن يأتي يوم يتخلى فيه المسؤول عن منصبه، لكي يحل محله مسؤول آخر يكمل الرسالة. وهكذا تسير الحياة، وما سَنَّت الدول، ومنها دولتنا، أيدها الله، نظام التقاعد إلا لسببين: الأول تكريم العامل المخلص بأن يرتاح ويحصل على راتبه التقاعدي، والثاني أن تجد الأجيال الجديدة مجالاً للعمل وتستمر الحياة ودولاب العمل.
لقد تقاعد أخي وصديقي وزميلي معالي الدكتور ناصر بن محمد السلوم بعد مشوار طويل مع وزارة المواصلات بدءاً بمهندس عادي وانتهاءً بمنصب وزير، ولمدة ثماني سنوات قضاها وزيراً للمواصلات. لكن مشوار الأخ ناصر يختلف عن الكثير فقد ملأ المناصب التي شغلها في الوزارة نشاطاً وحيوية وانجازاً شمل المملكة «القارة» المترامية الأطراف، ربطها ببعضها بطرق دولية عملاقة وبطرق أخرى أقل، وبطرق زراعية شملت المدن والقرى والهجر والمزارع.
كان معالي الأخ ناصر يعمل ليلاً ونهاراً. لم يفكر في خميس أو جمعة. كان متواجداً في مكتبه ساعات طويلة، كان عطاء الدولة - أيدها الله - كثيراً فحوله المسؤول الى انجازات، انجازات يراها ويقدرها المنصفون ولكن حتى غير المنصفين- إن وجدوا - لا يستطعيون إنكارها، فهي ماثلة للعيان في الشمال والجنوب والشرق والغرب.
الدكتور ناصر السلوم ربّى جيلاً في وزارته علَّّمهم حب العمل والتفاني فيه. عوَّدهم على البذل والعطاء، علَّمهم على حسن الخلق والتعاون فيما بينهم. كانوا عوناً له. كانوا أبناءه ومساعديه، وكانوا اليد اليمنى التي يحقق فيها انجازاته.
كان معاليه دمث الخلق لطيف المعشر محباً للجميع متعاوناً مع الكل.
تعرفت على أخي ناصر منذ مدة طويلة لكني عرفته أكثر عندما شرفتني القيادة الحكيمة بالعمل أميناً لمدينة الرياض، مَدَّ لي يده وأنجز مشاريع في مدينة الرياض تحت توجيه ودعم وتشجيع أميرنا المحبوب مهندس مدينة الرياض ومنفذ تحضرها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله كان سموه يجمعني بالدكتور ناصر لكي نخطط للمشاريع العملاقة داخل المدينة وحولها ثم نأخذ الموافقة والدعم والمتابعة من سموه الكريم.
من حقه عليَّ وقد تقاعد عن العمل ان أقول كلمة حق وصدق فيه وان انقل له مشاعر الكثيرين ممن التقيت بهم واطراءهم له وتقديرهم لانجازاته وتواضعه ونزاهته. لقد أدرك الدكتور ناصر أنه سوف يترك المنصب يوماً ما وهذه سنة الحياة، لذلك عمل بجد واخلاص وتفانٍ ونزاهة وعفة، لكي يسمع التقدير والاعجاب والامتنان بعد ان ترك المنصب.
هذه نصيحة لكل من يفكر في أن يكون قائداً يوماً من الأيام ان يضع الله العزيز الجليل بين عينيه، وان يخلص في عمله ويبتعد عما يدنس الخلق ويضيّع الجهد، وأن يدرك أنه ما تولى هذا المنصب - أي منصب - إلا لكي ينفذ أوامر ولاة الأمر في خدمة الناس وتنفيذ المشاريع التي ترصد لها الدولة الأموال الطائلة وان يعامل الناس بخلق حسن وروح طيبة، وان يستغل كل وقته لصالح العمل الذي يشرف عليه، حتى يرى ذلك في عيون الناس وأحاديثهم عندما يترك كرسيه الوثير الذي يجب ان يدرك منذ البداية انه ليس دائماً ولا مؤبداً.
إذا كان أخو الجميع وابن الجميع وأبو زملائه في الوزارة الدكتور ناصر السلوم قد ترك المنصب بعد ان أدى واجبه أحسن أداء فقد تسلم الراية أخ عزيز سبقته الى الوزارة سمعته الحسنة واخلاصه في الأعمال التي أسندت إليه، هو معالي الدكتور جبارة الصريصري. وكلنا ثقة في تحمله مسؤولية الوزارة وهي مسؤولية ضخمة ولكنه أهل لها.
إن شباب معالي الأخ جبارة وخبرته خير ضمان لها - بعد الله عزوجل - في اتمام الرسالة التي بدأها أخوه الدكتور ناصر. ونحن ندعو الله العلي القدير ان يمده بعونه وتوفيقه. ولا شك انه سوف يستفيد من المدرسة التي أسسها زميله أبومحمد.
وفي هذه العجالة وقبل ان أنهي هذه الكلمة أدعو الله العلي القدير لكل وزرائنا من جُدِّد له ومن جاء جديداً بأن يأخذ بأيديهم ويوفقهم ويحقق على يديهم رغبة الدولة أيدها الله في خدمة بلادنا وتحقيق المشاريع المطلوبة وانجاز الأعمال، وأن يكونوا قدوة حسنة لمن يأتي بعدهم في ظل قيادتنا الحكيمة وعلى رأسها حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد المفدى قائد مسيرة التنمية وحضرة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله وحضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان عضدا خادم الحرمين الشريفين وعونه ومساعداه. وأخص بالذكر صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية الذي ربطتني به علاقة عمل وصداقة وكان أثناء توليه وزارة الشؤون البلدية والقروية بالنيابة مع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض خير عون لي «بعد الله» في أداء مهمتي في أمانة مدينة الرياض.
وشكراً جزيلاً للإخوة الأعزاء أصحاب المعالي الوزراء الذين انتهت مدة خدمتهم بعد ان أدوا واجبهم وبذلوا ما يستطيعون من جهد ووقت في تنفيذ الأعمال الموكولة إليهم بكل أمانة واخلاص وتفانٍ. وأخص بالذكر أخي وصديقي معالي الدكتور محمد بن إبراهيم الجارالله لما لمسته من انجازات قيمة في بلديات المملكة - بحكم صلتي بأعمال البلديات - ولتعاونه غير المحدود مع المعهد العربي لانماء المدن للقيام بأداء رسالته لخدمة المدينة العربية.
وفق الله بلادنا لكل خير وأدام عليها الاستقرار والأمن والأمان. ووفق الله العاملين المخلصين في كل حقل، حكومي أو غير حكومي..والله من وراء القصد،،،،
|