إن آلية العلاقة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة قد اختلفت اليوم اختلافاً كبيراً في ظل هذا التحول الاستراتيجي الجديد، وهذا يفرض على العالم الإسلامي جميعه وهو طرف أساس في هذه العلاقة أن يراجع مفاهيمه، وهو بين خيارين لا ثالث لهما:
إما أن يرسم لنفسه رؤية خاصة صادقة تقوم على قيمة ومبادئه أولاً، وتقوم على مصالحه ثانياً، وتتكيف مع هذا الواقع المتغير.
فإن لم يفعل فسيظل مكتفياً بالمراقبة والانتظار، ومن الواجب على أي دولة من دول العالم أن يكون لها رؤيتها الخاصة المعبرة عن تطلعاتها ورغبات شعوبها وعن قيمها ومبادئها ومصالحها وحاضرها ومستقبلها.
ففيما يخص العالم الإسلامي هناك حماية إسرائيل والتأكيد على تفوقها وعلى التحالف الاستراتيجي الأمريكي معها، إن أمريكا ملتزمة بالتحالف مع إسرائيل وملتزمة أيضاً بضمان التفوق العسكري وغير العسكري لهذه الدولة المسخ، ليس فقط في مواجهة دولة إسلامية، بل في مواجهة العالم الإسلامي كله مجتمعاً.
والتقرير المشار إليه يوجه لهجةً رادعةً صارمةً إلى الدول الإسلامية التي تعارض السياسة الأمريكية بشكل جزئي أو كلي كإيران وسوريا والسعودية وغيرها ويتهم هذه الدول بدعمها للإرهاب، وأن هذا الدعم إذا لم يتراجع سوف يعرضها لضربات موجعة.
إن دعم الشعب الفلسطيني يعتبر دعماً للإرهاب، ودعم الجمعيات الخيرية هو دعم للإرهاب، بل لست أبالغ إذا قلت إن إقامة المدارس والمؤسسات والمساجد والأربطة وجوانب النشاط الإنساني والخيري هو دعم للإرهاب، والدوائر الأمريكية تقوم بمتابعته ومراقبته ومحاسبة القائمين عليه حساباً دقيقاً.
يتحدث التقرير عن محاربة الإرهاب دون أن يحدد المقصود بالإرهاب! إنهم يمارسون نوعاً سيئاً من الإرهاب البشري البشع بآلياتهم العسكرية الضخمة في حق المدنيين وغير المدنيين في العراق وفي أفغانستان وفي فلسطين، لكن كل هذا له غطاء مزور من الدفاع عن النفس والمحافظة على الحياة وعلى الحقوق وعلى الحريات، أما ما يقوم به المسلمون فهو الإرهاب بعينه.
لقد قبضوا على يهودي في الولايات المتحدة الأمريكية يسعى لتفجير مؤسسات ومراكز إسلامية فلم يقيدوا هذه الجريمة على أنها نوع من الإرهاب ولكن اعتبروها نوعاً من الاعتداء على الممتلكات الخاصة فهم إذاً يتحكمون في مصطلح الإرهاب ويضعونه على من يشاءون ويرفعونه عمن يشاءون.
النقطة الأخيرة هي التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهذا أمر واضح فربما لفترة قادمة الله أعلم بأمدها ستواجه كثير من الدول الإسلامية ألواناً من التدخل المؤذي في شؤونها الخاصة، في إعلامها، في مناهج تعليمها، في المناهج الدينية والكليات الشرعية، في قضايا المرأة، في قضايا الأقليات كما يسمونها، في الحريات الدينية إلى غير ذلك من العبارات التي كثيراً ما تتردد في التقارير التي تصدر سواء عن وزارة الخارجية أو عن منظمات الحقوق أو عن وزارة الدفاع وغيرها.
ولا شك أن الدول الإسلامية كلما أبدت نوعاً من طأطأة الرأس والاستسلام والقبول أغرتهم بمزيد من التدخل، وكلما استطاعت أن تراهن على شعوبها وتوحد صفها وتقاوم وتفرض سيادتها فإنهم يعيدون حساباتهم ويؤخرون مخططاتهم.
هناك ما يسمى بمبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية والتي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية قبل بضعة أشهر ورصدت لها 29 مليون دولار ربما هذه فقط نفقات الدعاية للمشروع، وأما المشروع نفسه فلا شك أنه سوف يستغرق مبالغ ضخمة، لكن السؤال من سيدفع فاتورة هذه المبالغ؟
الهدف الأساسي لما يسمى بالشراكة الأمريكية الشرق أوسطية هو إلحاق النظم العربية كلها بالمنظومة الأمريكية بواسطة إدارة مفروضة بقوة السلاح وقوة التهديد وقاعدتهم تقول: تكلم بلطف واحمل عصا غليظة، وذلك في ظل اختلال واضح للقوى بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، بل بين العالم الإسلامي ودولة إسرائيل بمفردها.
إن الإدارة الأمريكية مصرة على التدخل في خصوصيات المسلمين وعلى ممارسة لون من التغيير في داخل المجتمع الإسلامي على المستوى الثقافي والعلمي والتعليمي والسياسي وغيره.
وهاهنا السؤال: هل يمكن بروز محور عالمي جديد يواجه هذه القوة المستفردة المتغطرسة؟
فسنة المدافعة قائمة في الغالب والآن هناك استفراد أمريكي، وإن كنا ندرك أن ثمة قوى لا توافق الإدارة الأمريكية على منطلقاتها، لكنها لم تصل بعد إلى أن تبلور نفسها وموقفها بحيث تستطيع أن تواجه أمريكا وعدوانها.
لماذا لم يبرز حتى الآن محور جديد سواء في أوروبا أو في الصين أو في آسيا أو في غيرها؟
كثير من هذه الدول قد تطرح هذا المحور المشاكس، لأجل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، لكن ليس بشكل جدي وعملي لعدة أسباب أولاً: الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن معظم دول العالم بما فيها الصين وأوروبا مرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية يصعب عليها التخلي عنها.
ثانياً: التفوق الأمريكي الساحق في مجال القوة العسكرية، فيكفي أن تعرف مثلاً أن ميزانية الدفاع الأمريكية عام 2001/2002م لسنة واحدة تعادل 370 مليار دولار بما يعادل الميزانية العسكرية للدول الست الكبرى مجتمعة.
هذا التفوق الهائل في مجال القوة العسكرية، فضلاً عن تفوقها في مجال التقنية والتصنيع يجعل كثيراً من الدول تحجم عن مثل هذا الموقف.
إن دول أوروبا تشعر أن الهوة بدأت تتسع مع أمريكا وأن حلف الأطلسي بدأ يتحجم دوره، بل بدا يفقد دوره وفي مؤتمر السياسة الأمنية الذي عقد في ميونيخ في ألمانيا بدأت بوادر الخلاف بين أمريكا وبين دول أوروبا مع أن هذا المؤتمر يمثل أحد المؤسسات التي ترسم السياسة العالمية تقريباً، ومع ذلك برز فيه نوع من الخلاف، لكن السؤال متى يتحول هذا الخلاف إلى نوع من المواجهة مع الاستفراد والغطرسة الأمريكية؟
نحن أمام مرحلة جديدة صعبة وطويلة والمهم ألا ننسى بعد هدوء الأحداث أننا فعلاً دخلنا إلى مرحلة جديدة وأن لهذه المرحلة تبعاتها ومقتضياتها الواجبة علينا أفراداً ومجموعات وشعوباً وحكومات.
وقد رأينا كيف أن الشعب الفلسطيني بضعفه وقلة إمكانياته استطاع من خلال الحجر- الذي يرمي به عدوه- أن يقلب كثيراً من القوى والموازيين.
فإن الاستمساك بحبل الله والصدق مع الله تبارك وتعالى وإرادة التغيير في نفوسنا جديرة بإذن الله عز وجل أن تصنع لنا شيئاً كثيراً في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخنا.
علينا أن نحذر من التشاؤم واليأس من الإصلاح في ظل الظروف التي نعيشها الآن لنعطي أنفسنا فرصة في أن نفرح بفضل الله تعالى وبرحمته وبمستقبل منشود وبألوان من الخير وإن أصابنا غم وكآبة من جراء ما نرى ونشهد من التفوق العدواني والتسلط على البلاد الإسلامية.
ارغب في العبادة والاستعانة بقدرته جل وعلا وقوته واستخدام ما أقدرك الله عليه.
العالم الإسلامي اليوم يملك قوات لا يستهان بها في العدد البشري والموقع الجغرافي والثروات الهائلة وإمكانيات كبيرة وكثيرة يمكن أن نراهن عليها فيما لو وجدت إرادة التغيير في العالم الإسلامي، إذاً بإمكاننا أن نصنع الإصلاح وفق رؤيتنا الإسلامية الخاصة متى ما وجدت الإرادة لدينا.
من المهم وجود المؤسسات والتجمعات والمبادرات العامة والخاصة في المجتمعات الإسلامية.
إن البناء هو خير تعبير عن الدفاع، نحن الآن في موقع حرب وأزمة ونازلة، بل في هزيمة، إن البناء هو خير تعبير عن هذا الدفاع والحدث أحياناً يصنع لدينا عقلية الدفاع أكثر مما يصنع لدينا عقلية البناء والواجب أن نسعى وننهمك في مشاريع إصلاحية بنائية في الدعوة والتعليم والاقتصاد والعلم والعمل وفي كل مجالات الحياة التي نحتاجها، إن الهزيمة التي منينا بها ليست هزيمة عسكرية فحسب، وهكذا الإصلاح يجب أن يكون إصلاحاً شمولياً في نواحي الحياة كلها.
إن من المهم إحياء روح الأممية في العالم الإسلامي، مازلت أتذكر عام 1981 حينما ضربت إسرائيل المفاعل النووي العراقي وأن كثيراً من الناس من الإسلاميين وغيرهم ربما شعروا بنوع من البهجة والاغتباط لأنهم اعتبروا أن تلك االقوة هي ملك لحزب البعث فحسب، وها نحن نشهد اليوم أن تلك الضربة ربما كانت تمهيداً لما نراه الآن من القضاء على أصل النظام في العراق ولا أعني بالنظام النظام الحاكم، ولكن أعني النظام الذي يضبط حياة الناس ويمنعهم من الفوضى ويحفظ لهم حقوقهم ومصالحهم.
إن ذلك الاغتباط الذي عاشه بعضنا يوماً ما بضرب المفاعل النووي العراقي أو الذي عاشه آخرون بهزيمة الجيوش العربية أمام «إسرائيل» لأنهم يقولون: هذه جيوش لو انتصرت لظلت على ما هي عليه، إنما يعبر هذا عن قدر من عدم الشعور بالأخوة الإيمانية بين أفراد العالم الإسلامي، وعدم حزن المسلم لكل ما يصيب أخاه المسلم حتى لو كان على خلاف معه أو كان له أجندة خاصة أو نظام خاص فإن روح الإسلام ينبغي أن تكون أقوى من الفواصل بين المسلمين ما دام الإسلام هو المرجع الأساسي لها.
فإن الواجب على العالم الإسلامي اليوم هو السعي الصادق الجاد في الإعداد بكل صوره وألوانه وأشكاله.
{وّأّعٌدٍَوا لّهٍم مَّا اسًتّطّعًتٍم مٌَن قٍوَّةُر}، كل القوة مطلوب أن نعدها نعم يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم:«ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي» هذا لون من القوة العسكرية يتعلق بالرمي ولا شك أننا نرى اليوم أن رمي الصواريخ ورمي القنابل ورمي المدافع يحدث أثراً كبيراً في المعركة يتحكم غالباً في نتائجها كما رأيناه في افغانستان والعراق ويوغسلافيا وغيرها.
فالرمي هو أساس القوة العسكرية، لكن علينا أن ندرك أن القوة العسكرية هي الحماية والإطار الذي يحفظ العالم الإسلامي ويحفظ مكاسب المسلمين وإنجازاتهم، ولكننا نحتاج معها وقبلها وبعدها إلى قوة علمية، قوة في الإدارة، قوة في الاقتصاد، قوة في التصنيع، قوة في الوحدة وترك التفرق.
إن الاتحاد قوة والاختلاف فرقة وعذاب، ونحن نجد أن عدونا اليوم يتمترس بأكثر من 285 مليون إنسان يشكلون ما يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال قدرته على توظيف كل القوى والطاقات والأحزاب بمختلف الاتجاهات لدعم وخدمة هذا الكيان المتسلط على العالم اليوم، ولذلك صار لها هذه القوة، بينما قتل المسلمين جميعاً أفراداً وجماعات وشعوباً ومدناً ودولاً داء التفرق والاختلاف فيما بينهم، وأصبحت ترى العدو يسهل عليه أن يوظف هذه التناقضات الإثنية والمذهبية والحزبية والطائفية في تدمير بعض المسلمين بعضاً، والقضاء على قوتهم وإنسانيتهم وتوفير قدراته الذاتية.
إن علينا مسؤولية فردية وشخصية كبيرة تجاه بناء الفرد ذاته، نجاحك في مدرستك أو تعليمك أو وظيفتك أو بيتك نجاحك في تفكيرك وعقلك نجاحك في تعاملك مع الحدث نجاح الأسرة نجاح المؤسسة التجارية نجاح المؤسسة الدعوية الإعلامية كل هذه الاشياء ذات أثر كبير كلها تصب في نجاح الأمة.
ينبغي علينا في مثل هذه الظروف أن نحيي روحاً من روح الاجتماع في مسؤوليتنا الفردية، أن نعقد اجتماعات ومجالس في الحي وفي المدرسة وعلى مستوى الأسرة وعلى مستوى البلد وعلى مستوى الجامعة أو المؤسسة وأن نتدارس قضايانا والمخاطر المحيطة بنا، وأن نستمع ونقرا ونتناقش ونتدرب على روح الحوار والاستماع إلى الآخرين وتقديم الرأي وتصحيح الرأي.
إننا بحاجة إلى أن نصحح أوضاعنا على الصعيد الفردي والجماعي قبل أن تنزل بنا النازلة أو تحل علينا الكارثة والله المستعان.
|