زعم الكثيرون من المحللين - غداة نجاح عملية الحرية في العراق - ان تغييرا اساسيا قد حدث في طبيعة الحرب وقالوا انه يمكن تكرار النتائج الباهرة للغزو الأمريكي للعراق في اماكن اخرى بنفس التكاليف. بينما يخشى خصوم الحرب ان خطة الادارة الأمريكية سوف تنتقل سريعا إلى اهداف جديدة مثل سوريا وايران وليبيا وكوريا الشمالية. باعتقادي ان كلا الرأيين خاطىء.
يعد الرئيس بوش واحدا من بين الرؤساء الذين يخططون لخوض الحرب دون الحاق أضرار مصاحبة فقد قال لعمال التجميع خلال جولة له في احد مصانع بوينج التي تنتج الطائرة اف 18 اس في سانت لويس ان دقة تكنولوجيتنا تهدف - اكثر من أي وقت مضى - لحماية ارواح الجنود وارواح المدنيين الابرياء واصبح بوسعنا في هذه الحقبة الجديدة من الحرب ان نستهدف نظاما ولم يعد بالامكان للارهابيين والطغاة ان يشعروا بالامان في مخابئهم وراء الابرياء.
لقد استغرق الامر مائة ساعة - اثناء عملية عاصفة الصحراء- لإلحاق الهزيمة بالجيش العراقي وبعد نحو عقد من العقوبات ومناطق حظر الطيران والضربات الجوية الأمريكية اصبح الجيش العراقي اكثرضعفا مما كان عليه في المرة الاولى.
يبدو من الواضح ان الاسلحة الأمريكية اصبحت اكثر دقة.. ولكن هل هذه الدقة والتفوق التسليحي سيغير من نتيجة صراع مع خصم لدود يستخدم اساليب مختلفة كما حدث في فيتنام؟ وأليس من الممكن لعدو لديه الموارد لمواجهة الهيمنة الأمريكية الكاملة في الجو والبحر ان يجعل من هذه الحرب امرا مكلفا كثيرا للمشاة ؟ وما الذي يمكن ان يحدث لو استطاع الخصوم ضرب تجمعات سكانية كبيرة لحلفاء أمريكا بالصواريخ والمدفعية ؟ وماهي حقيقة الخسائر المدنية في العراق؟ ومع ذلك فقد اصبحت هذه الحروب الخاصة امرا حتميا حسب توجه المحافظين الجدد.
وقد كتب اثنان من المحافظين الجدد البارزين - وليام كريستول وروبرت كاجان عام 1996- يقولان ان حركة المحافظين الجدد اصبحت في مهب الريح ورأوا ضرورة وضع سياسة خارجية تقوم على اساس الهيمنة الأمريكية والإنفاق الدفاعي والوضوح الاخلاقي لتحقيق الانتعاش.
وقد واجه المحافظون الجدد بمجرد وصولهم إلى مقاعد السلطة تحدي ترويج عملية الإنفاق المتزايد على الدفاع لدى الرأي العام على حساب البرامج الاجتماعية في الوقت الذي ما كان يمكن لهم - بدون الحرب - تبرير وجهة نظرهم على الساحة الدولية، وغداة احداث الحادي عشر من سبتمبر لم تنجح الحرب الخاطفة على افغانستان في تقديم هذا المبرر حيث تم التعامل معها بقوات عمليات خاصة قليلة.
وتبدو الحرب العراقية اذن نتيجة مباشرة لتوجه المحافظين الجدد بل هى جزء لا ينفصل عن سياستهم لذا ففى الوقت الذي لعب فيه وزير الخارجية الأمريكي كولين باول دورا هاما على الساحة الدولية الا انه لم يكن هناك تأثير حقيقي لقدرته على فن الترويج السياسى اللهم الا التخفيف من وطأة هذه الحرب لاغراض العلاقات العامة.
لنتخيل مدى الضرر الذي كان يمكن ان يلحق بالمحافظين الجدد لو ان صدام حسين ابدى التعاون بدلا من الجمود او نجح مفتشو الامم المتحدة في مهمتهم وهنا فان التعددية كان يمكن ان تكشف ان العمل المنفرد امر غير ضروري وسوف يثبت الاوروبيون الذين انفقوا القليل على جيوشهم ان العمل الجماعي كان كافيا لمواجهة هذا التهديد في الوقت الذي كان سيتراجع فيه رأي المحافظين في النظام الأمريكي ومن هنا اضطرالمحافظون الجدد لخوض الحرب ولكن ذلك لايعني انهم يتجهون إلى حرب اخرى قريبا.
لقد كان صدام حسين الهدف المناسب للهجوم - فقد كان شريرا وضعيفا وبالتالي فان العثور على خصم بهذا الخليط غير العادي من الصفات لن يكون امرا سهلا ما لم تقصر الولايات المتحدة دائرة اعدائها في المستقبل على الدول التى يكون احراز النصر عليها امرا رخيصا وبالاضافة إلى ذلك فانه على الرغم مما قد يحلم به المحافظون الجدد فان الغرض من هذه الحرب كان تجنب تغيير النظام في واشنطن.
* عميد المركز الدولى بجامعة فلوريدا كريستيان ساينس مونيتور- خاص ب«الجزيرة»
|