دعوني أيها الوزراء أهنئكم أولاً بثقة ولي الأمر بكم بتحميلكم هذه الحقائب.. وهي «مسؤولية جسيمة» أسأل الله أن يعينكم على أداء الأمانة نحوها.
ثم أقول لكم..
أن المنصب للواحد منكم سواء كان جديداً أم مجدّداًَ له سوف يكون «غنماً» إن شاء الله إذا اجتهد وأدى تبعاته نحو ربه وقيادته وأبناء وطنه.
وهو سوف يكون «غرماً» إن قصر في أداء مسؤولياته نحوه وجعل هذا المنصب للشهرة والواجهة..!!
***
* لقد أقسمتم قسماً عظيما أمام ولي الأمر كان نصه: أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني ثم لمليكي وبلادي وألا أبوح بسر من أسرار الدولة وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص.
وما أعظمه من قسم.. وما أعظمها من تبعات ومسؤوليات وأمانة حملتها كلمات هذا القسم!
{وانه لقسم عظيم لو تعلمون}
تذكروه وفقكم الله وأعلى منازلكم في الحياة الأخرى..!
تذكروه وأنتم تستقبلون أي مراجع.
تذكروه وأنتم توقعون على أي خطاب.
تذكروه وأنتم تتخذون أي قرار.
تذكروه وأنتم على الكرسي الذي لو دام لغيركم ما أتى إليكم.
***
* أيها الوزراء: -
دعوني أتوقف في مقالتي الحميمة هذه عند عدة أمور سوف تعيشونها وبخاصة الجدد منكم وربما تشكون أو يشكو بعضكم منها:
* أولها: قد يضيق صدركم بالعمل وكثرته وإحراجاته لكن احرصوا على أن تشرحوا صدوركم للعمل، ولا تنزعجوا من كثرة الأعباء والأوراق، فهذه مسؤولية وافقتم عليها.. وما أجمل أن تصبروا على متطلباتها، وتذكروا وأنتم في غمرة العمل وزحمته، أنه سوف يأتي عليكم يوم كما أتى على غيركم، تضجرون من الفراغ، وقلة العمل، وقد تتمنون هذه الأعمال وهذه الأوراق بل وأكثر منها.
* وثانيها: أمام كثرة المراجعين وذوي الحاجات لا تشكوا أو تضجروا بل أوسعوا لهم صدراً، وافتحوا لهم بابا، وازرعوا في وجوهكم البشاشة، وقابلوهم بالكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة قدر المستطاع، وتذكروا أنه لن يأتيكم مراجع إلا وهو ذو حاجة.
ولتحمدوا الله دائماً أن الناس هم الذين يحتاجون إليكم، ولستم أنتم الذين تحتاجون إليهم. وتذكروا قول الإمام الشافعي منذ القدم واجعلوه نبراساً أمامكم:«واشكر فضائل صنع الرحمن إذ جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجات»
* وثالثها: سوف تواجهون وأنتم تتقلّدون مسؤولية الوزارة شحاً في الوقت، وقصراً في الزمن، وربما لا تجدون إلا أقل القليل لأنفسكم وأهليكم، ولكن لا تأسوا على ذلك أو تنزعجوا فسوف يجيئكم وقت إن أحياكم الله تشكون فيه من طول الوقت لا قصره وامتداده لا شحه.
فلتجعلوا من هذه الوزارة «براً» تحصدون من ورائه رضا الله ثم الوطن لا «وزراً» تحصدون من ورائه الندم.
*رابعها: أستشرف ألا تجعلوا «النظام» قيداً يكبلكم عن أداء رسالتكم في تنمية هذا الوطن وخدمة أبنائه، فالنظام وضع لتسيير الأمور وليس لتعسيرها.. كما قال إداري عريق «أبلى بالإدارة بلاء حسنا» ألا وهو وكيل وزارة الداخلية السابق د.إبراهيم العواجي، حيث دعا في حوار نشرته صحيفة «الاقتصادية» قبل فترة من واقع تجربته الطويلة إلى التعامل مع روح النظام وهدفه، وليس الوقوف عند نص حروفه وفقرات مواده، فالنظام يكتسب مرونته من منفذه وليس هو نصاً مقدساً لا يجوز المساس به.
* خامسها: الذكر الحسن للإنسان عمره الثاني، وحب الثناء غريزة فيه وهو أمر مشروع إذا كان الإنسان يحب أن يحمد بما يفعل لأن الممقوت أن يحب الإنسان أن يحمد بما لم يعمل، وأنتم لكي تُحمدوا بما فعلتم في حياتكم.. ولكي يبقى الذكر الطيب لكم بعد مغادرتكم الكرسي أو رحيلكم إلى ما تحت الكرسي.. أبقوا لكم أعمالاً كبيرة لوطنكم وأبناء وطنكم، وهذه الأعمال بقدر ما تنالون فيها رضا الله، تخدمون بها هذا الوطن وتخدمون أهلكم ثم إن ذلك هو الذي «يبقى لكم» ويلبسكم أجمل الذكر وأندى الذكريات وأنصع الثناء الذي يسعدكم في هذه الحياة.
ألم يقل أحد حكماء العرب «الأحنف بن قيس»:-
«ما ترك الآباء للأبناء مثل تطويق أعناق الناس بالمعروف» فطوقوا يا أصحاب المعالي زادكم الله من المعالي الناس بالمعروف ليبقى ذلك لكم ولأولادكم من بعدكم.
***
* وبعد:
لتجعلوا من «الوزارة» نهر خير يمتد عبر ضفافكم إلى الوطن وأبناء الوطن، لا واديا جافاً لا يّبقي زرعاً ولا يثمر خيراً.
إنكم سوف تذكرون أيها الوزراء ما أقول لكم عندما تودعون «كرسيكم» بعد عمر طويل وإننا أيها الوزراء الأعزاء نستشرف أن تكون ذكراكم في هذه الوزارة عطاءً عاطراً وذكراً زاهياً، وأجراً باقياً، بحول الله.
ف 014766464
|