راجية مصطفى صبري كغيرها من المغتربين الذين عانوا وقاسوا من لوعات البعد عن وطنهم الأم لكن لوعتها سرعان ما تلاشت أمام احتضان أهل عنيزة لها الذين فتحوا بيوتهم لها واعتبروها بنتا لهم وأختاً من أخواتهم لم لا وهي التي شهدت صرخات أولادهم وأولاد أولادهم عاصرت الجيل وأبناء الجيل حتى إن أكبر الأطفال الذين أشرفت على ولادتهم عمره الآن قرابة الأربعين عاماً..
ويكفي راجية فخراً أن فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أوصى بها في أواخر حياته إكراماً لها لإشرافها على ولادة أبناء أولاده وبناته ..وفي الأسطر التالية نتصفح مع راجية ذكرياتها وقصة عشقها لتراب هذا البلد الكريم التي أوصت وهي تبكي بأن تحتضن أرضه جسدها عندما تفارقه الروح.
ذكريات البداية
في البداية تقول راجية قدمت الى السعودية بعقد عمل مع وزارة الصحة للعمل في أحد المستشفيات بالرياض كان ذلك في عام 1384هـ لكنني لم أمكث هناك بالرياض طويلاً فقد خيرتني الوزارة بين البقاء في الرياض أو الذهاب الى عنيزة فاخترت الأخيرة وكان المستشفى صغيراً يضم 20 غرفة عشر غرف للرجال وعشر غرف للنساء، ويمتلك سيارة إسعاف واحدة كما تعمل فيه ممرضتان غيري واحدة في العيادات وأخرى أرجنتينية تعمل في العمليات وأنا أعمل في قسم الولادة، ولأنني الوحيدة في قسم الولادة كنت أعمل ليل نهار وأنام على سطح المستشفى بالرغم من وجود غرفة لي في السكن الداخلي لكني فضلت النوم على السطح كي أكون قريبة من حالات الولادة التي تأتي ليلاً.وهكذا تقول راجية مضت ست سنوات وأنا أعمل الممرضة الوحيدة في قسم الولادة أواصل العمل ليل نهار حتى أتت الممرضة المعروفة هانم محمد وقسم العمل بيني وبينها على فترتين 12 ساعة لي و12 ساعة لها، وأذكر في أحد الورديات التي استلمتها ليلاً أتتني 12 حالة ولادة أي بمعدل ولادة في كل ساعة اعتراني بسببها إرهاق شديد تغلبت عليه بالمسكنات والمحاليل، وهكذا استمررت بالعمل في مستشفى عنيزة العام الى أن انتقلت بعد ذلك للعمل في مركز تشخيص النساء والولادة والأطفال ثم انتقلت بعد ذلك للعمل في مستشفى الملك سعود وما زلت أعمل فيه حتى الآن برغم كبر سني الا أنني ما زلت قادرة على العطاء أكثر من شابة فششي العشرينات وأعتقد ان السبب يعود بعد فضل الله الى الدعاء الذي كنت أسمعه من أخواتي المسلمات لي عند الولادة لأن دعوة المرأة عند الولادة كما يقال والله أعلم مستجابة..
داخل الخيام
وتستطرد راجية حديثها قائلة» ولأن كثيراً من النساء في تلك الأيام يرفضن الولادة في المستشفى كنت أذهب اليهن في منازلهن وأساعدهن في ولادتهن. ولم يقتصر الأمر على النساء داخل المدينة بل إنني كثيرا ما كنت أذهب للبر لتوليد النساء داخل خيامهن حتى إذا كانت الولادة في الليل أنجزتها على ضوء السراج، وأحمد المولى جلت قدرته على انه طوال فترة عملي لم يمت أحد على يدي كما أنني لم أشاهد على كثرة التوائم الذين نزلوا على يدي أكثر من توأمين..
السعودية صبورة
وتصف راجية المرأة السعودية عند الولادة بقولها: المرأة السعودية إنسانة صبورة تستعين على آلام ولادتها بالدعاء وذكر الله وقراءة ما تحفظه من سور القرآن ونادراً ما أسمع صراخها وقد زودنا والدنا الشيخ محمد العثيمين رحمه الله بأدعية وأذكار نقوم بقراءتها على الحامل قبل الولادة ومن السور التي أقرؤها على الحامل سورة البقرة والرعد والزلزلة والانشقاق ويس..هنا قاطعتها الجزيرة بسؤال عن موقف الممرضات غير المسلمات عند سماع القرآن تقول راجية بعضهن لا يرغبن في الاستماع اليه واحتراما لديننا يخرجن من الغرفة، أما البعض الآخر منهن يجلسن ويستمعن له وبفضل من الله أسلمت رئيسة القسم مع ممرضة أخرى العام الماضي.
افرح بالولد
سألت الجزيرة راجية عن إمكانية معرفتها لجنس الجنين من شكل أمه فأجابت يقول الناس بهذا الشأن أقاويل لا يمكن الإيمان بها مطلقا فهم يقولون مثلا بأن الأم اذا كانت حبلى ببنت تتفتح بشرتها وتصبح بيضاء وحلوة، أما إذا كانت تحمل في بطنها ولداً فانه يسمر لونها وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق لكن تستطيع السيدة التي أشرف على ولادتها من معرفة جنس مولودها من تعبيرات وجهي فأنا ولا أدري ما السبب عندما يكون ولداً يظهر الفرح على وجهي «أطير من الفرح» وكأنه لي وأقف عند رأس السيدة أهنئها بحرارة، أما إذا كانت المولودة بنتاً أقول للسيدة ومن بعيد الحمد لله على السلامة.
سألنا راجية لماذا تفرحين بالولد أكثر من البنت وإذا كان هذا موقفك انت من البنت فما هو موقف والدها عندما يبشر بها؟ أجابت راجية: لايعني عدم فرحي بالبنت عند الولادة عدم حبي لها فأنا أحب ولكنني أفرح بالولد أكثر لأن الولد يحمل اسم العائلة وهو السند لأمه وأخته ولأهله بشكل عام، أما عن موقف الأب فقد تستغربون عندما أقول لكم بأن الأم هي التي تبكي وتتضايق عندما نخبرها بان مولودتها بنت في حين أن الأب يقول الحمد لله ولد والا بنت حياه الله أهم شيء سلامة الأم والطفل..
مظاهر محبة الناس
ومن مظاهر محبة الناس لراجية تذكر راجية بأن إحدى السيدات عندما نزل طفلها على يدها وعدتها بان تعطيها من أول راتب يتقاضاه ابنها عندما يكبر ويتوظف وفعلاً برت السيدة بوعدها وأعطتها من راتبه عندما توظف بالرغم من مرور سنوات طويلة على الوعد.
كما تذكر راجية بأن هناك من الأسر من تسمو بناتهن باسمي، وأذكر منهن راجية الهويسين وراجية الخريجي.تقول راجية لم يرزقني المولى بأولاد لكنني أعتبر أبناء عنيزة أبنائي وأولادهم أحفاد لي فأنا أسعد بنجاحهم وتقدمهم وأشاركهم أفراحهم وأعيادهم وأحزن لمصابهم.
سوريا وطني
واختتمت راجية حديثها ل«الجزيرة» بقولها: صحيح ان سوريا هي وطني الأم لكنني أعترف بأنني أشعر بغربة شديدة عندما أذهب إليها في زيارة ربما لأنني لا أعرف أحداً هناك سوى إخوتي وأولادهم الذين عاشوا معي في عنيزة قرابة 16 عاماً ثم غادروها وعادوا لسوريا عندما كبر أولادهم وأنا قدمت الى السعودية وأنا ابنة الثالثة والعشرين عاماً وكل الذين تربطني بهم صداقة ومعرفة يعيشون هنا في السعودية وتحديداً في عنيزة .. دائماً أردد على مسامع أختي عندما أكون عندها في سوريا بأنني اشتقت لأهلي وبلدي السعودية فتقول لي أختي هنا بلدك وهنا أهلك فلماذا الحنين أقول لها هناك معهم عشت أجمل سنوات عمري وتشربت عاداتهم وتقاليدهم أحببتهم وأحبوني فصرت لا أطيق فراقهم.
|