من الرجال من يشيب شاربه قبل لحيته، ومنهم من يشتعل الشيب في لحيته قبل شاربه، وقد كنت من هذا الصنف من الرجال، فلحيتي قد دبَ الشيب فيها منذ شارفت على الخامسة والأربعين من عمري، وقد ظل يتكاثر شيئاً فشيئاً، فما بلغت السبعين إلا وقد أتى الشيب على كل شعرة كانت سوداء في لحيتي، فأصبحت كالثغامة من النبات.أما شاربي فكان صعب المراس على الشيب حيث قاومه مقاومة ما طار غرابه بسببها، إن صح التعبير، حيث يطل من وكره على لحيتي ضاحكاً من خلوها من الأغرشبة التي تخلت عنها وتركتها كالمكان الموحش.ش
وفي يوم من الأيام القليلة الماضية التي تخللت السنة الحادية والسبعين من عمري رأيت وأنا انظر الى وجهي في المرآة شيئا أشبه ما يكون بالثعبان الأسود الممتد على خيط من البرد، أو هو كالغراب الحاضن كومة من البيض فقلت في ذلك هذه الأبيات مداعباً بها شاربي:
يا شاربي لك الرضا
مني ودُم في عافيه
ما شِبتَ من سود الليا
لي الحالكات القاسيه
أنت وقلبي فيكما
روحُ الشبابِ العاليه
فيك السواد حالكٌ
يَشُدُّ من آماليه
ما كنتَ قبلَ لحيتي
مثل الثغامِ الباليه
بل كنت صلاً أسوداً
قد نامَ فوقَ الحاشيه
من تحته قطنٌ وثي
رٌ مُشبهٌ ردائيه
فيك رأيت في مرآ
ةٍ في يَدَيَّ صافيه
ما يشبه الوصل بما
مضى لي من شبابيه
كركبتيَّ أو كظهـ
رَي المنحيَّ ورائيه
فدم مُحثّاً لي على
ذكرى الأمور الماضيه
وعش بحالك التي
النفسُ عنها راضيه
|
أحمد عبدالله الدامغ
|