لا شك أن الشعوب جميعها في عالمنا العربي والإسلامي تشعر بكثير من الحزن والألم والأسى لما آلت إليه أوضاع هذه الأمة ولكن، هل سئل هؤلاء المليار ونصف المليار مسلم أنفسهم ماذا قدموا لقضاياهم؟ وإلى أي حد أخلصوا لها؟
لماذا دائماً نلوم على الحكومات والأنظمة وحدها فهل نحن قمنا بواجبنا على أكمل وجه؟
والسؤال يوجه في المقام الأول للمؤسسات المدنية الضخمة وللأثرياء من رجال الأعمال في عالمنا العربي والإسلامي الذين تغيبوا عن تقديم رسالة مقدسة ودور وطني بارز لدعم الكثير من القضايا الوطنية والمنظمات التي من أهمها جامعة الدول العربية التي هي في أمس الحاجة لذلك لخدمة قضايا الأمة، لقد سألت أمين الجامعة العربية عمرو موسى في آخر مؤتمر جمعني معه بالكويت، ماذا تحتاج الجامعة العربية لتقوم بدور فعال وقوي وعلى أكمل وجه فقال حرفياً نحن نحتاج إلى دعم المؤسسات المدنية ودور شعبي كبير لتفعيل دور وقرارات الجامعة العربية كما يحدث في جميع دول العالم المتحضر فللمؤسسات المدنية دور كبير حتى في تمويل الحملات الانتخابية في دول أوروبا وأمريكا وأصبح الفوز في الانتخابات الفضل الأول فيه يعود للتمويل بشكل جيد من قبل بعض تلك المؤسسات المدنية الضخمة، فأين المؤسسات المدنية العملاقة في عالمنا العربي والإسلامي وأين الأثرياء من رجال الأعمال وماذا قدموا للمؤسسات والهيئات الحيوية التي من أهمها جامعة الدول العربية لتفعيل قراراتها لخدمة قضايا الأمة؟؟
فدولة إسرائيل لم تكن دولة ولا حكومة ولا شيء منذ نصف قرن، مجرد أفراد من اليهود يعيشون في الشتات متناثرين في العالم جمعهم إخلاصهم لقضيتهم حتى ان كانت غير شرعية وغير عادلة فقدموا كل الدعم وكل المال وكل ما يلزم لتحقيق الحلم ولبناء المستوطنات وليقيموا دولتهم «دولة الاغتصاب» ولولا إخلاص وتفاني هؤلاء من أجل تحقيق ذلك لما قامت وظهرت إسرائيل للوجود ولما استمرت.
وبالمقابل ماذا قدم المفكرون والأثرياء والمؤسسات في أمتنا من أجل دعم قضايا أمتنا ودعم أهم المنظمات مثل جامعة الدول العربية.. ونحن أصحاب الحق والشرعية والقضية العادلة؟
لقد بدأ تيودور هيرتزيل مؤسس الفكر الصهيوني عام 1896م بوضع معالم الدولة الصهيونية من النيل إلى الفرات معتبراً أن فلسطين هي الوطن الذي بلا شعب واليهود هم الشعب الذي بلا وطن، وأقاموا دولتهم بعد وعد بلفور المشؤوم لليهود يوم 2 تشرين الثاني عام 1917م بإقامة وطن قومي لهم في أرض فلسطين العربية، الذي كان كما دون التاريخ المحصلة النهائية للجهود التي قام بها زعماء الحركة الصهيونية، وثمرة التحالف بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية، واعتمد الصهاينة على وسيلتين أساسيتين لإقامة دولتهم «الهجرة، والاستيطان» وفي عام 1899م أنشئ صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار لتمويل النشاطات الاستيطانية في فلسطين وتأمين الخدمات المالية التي تحتاجها الحركة الصهيونية، وفي عام 1901م تأسس الصندوق القومي اليهودي للمباشرة في شراء الأراضي في فلسطين ووفي عام 1920م أنشئ الصندوق القومي اليهودي لتنفيذ المخطط الصهيوني وتمويل الاستيطان في فلسطين وبدأ تحويل فلسطين إلى وطن قومي يهودي.
ركز دائماً الفكر الصهيوني على عقدة اضطهاد العالم لهم ومعاداة العالم للسامية وعقدة «الهولوكوست» ما يسمى بمحرقة هيتلر، حتى ان الأرقام التي زعم اليهود بأنهم تم حرقهم، من اليهود، مشكوك في مصداقيتها ولكنهم بارعون في انتهاز الفرص واستغلال الأحداث دائماً لصالحهم، عندما قامت دولة إسرائيل المشؤومة قامت على أساس مجتمع «الكي بوتز» وهو نظام قرى نموذجية جميعها معسكرات والجميع للخدمة العسكرية يأخذ الأطفال ويُنَشؤون منذ الطفولة المبكرة على أنهم مهددون بالزوال والقضاء عليهم وأنهم مستهدفون دائماً بالإبادة وهذه المفاهيم يعتبرها الصهاينة سر قوتهم وإن تجردوا من هذا الشعور وهذه التهديدات ضعفوا وقضي عليهم ولذلك يحرصون دائماً على إبقاء ذلك الشعور والخوف متأججاً لأن هذه المعتقدات بالنسبة لهم سر قوتهم وسر الوجود والبقاء لهم وهي بمثابة عقيدة يؤمنون بها.
فإن كان جوهر قوة الصهاينة يكمن في هذا الاعتقاد، فهل لدى أمة الإسلام أدنى شك الان بأنها مستهدفة، لإبادتها والقضاء عليها، من خلال القضاء على دينها، فربما تكون هذه نقطة الانطلاق أسوة بالصهاينة، فالرسالة المحمدية مستهدفة منذ الحملات الصليبية وها هي الآن تعلن علينا حروباً صليبية صهيونية متحدة كما قال ذلك صراحة المثقفون الشرفاء في الغرب أمثال القسيس الأمريكي فريتس ريتسش، وهاوارد فاينمان، ومارتن مارتي وكينيث وودارد، وإدوارد سعيد.. وغيرهم من الشرفاء الكثر في الغرب وفي أشهر الصحف والمجالات الأمريكية مثل الواشنطن بوست، والنيوزويك، معلنين أن ما يحدث مع العرب والمسلمين، حرب ظهرها ضد الإرهاب وباطنها وغاياتها هو الإسلام.
لقد أجاد العرب -منذ أن ضاعت منهم فلسطين- شيئين: الكلام، والتهامهم دائماً بشكل جيد للطعم الذي يعده لهم أعداؤهم. «وبالرغم من أن الإعلام له دور كبير وجوهري في التأثير بالرأي العام العالمي، وفي الوقت الذي عملت فيه الصهيونية بكل جهد لصهينة الإعلام الغربي للأهمية القصوى لهذا الجهاز، نجد الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي يسير بتبعية وراء الإعلام الغربي، لإتقانه دور الببغاء وراء جميع مزاعم الإعلام الغربي ويتجلى ذلك بوضوح في فرض مفردات وتعابير دخيلة على لغتنا العربية لم نكن نستعملها ونسمع عنها من قبل مثل إطلاق مصطلح «المتطرفين - الإرهابيين - الأصوليين» بشكل جزافي على أي مشتبه به أو على أي مسلم متدين بالرغم من أنه يُقتَلُ المسلمون في كل مكان في الأرض ويتجاوز كل السلوك الإنساني معهم، وما يتعرضون له فاق حتى شريعة الغاب، و تذهب دماؤهم رخيصة، وفي المقابل ذهول وصمت عربي وإسلامي، بل إنه أصعب وأكبر أشكال الذل والقهر.. أليس هذا ما يسمى إرهاب القوى بعينه؟
إن جامعة الدول العربية ليست بأسوأ حال من الأمم المتحدة، وليست بأسوأ حال من مجلس الأمن، اللذين لم يستطيعا منع غزو أمريكي بريطاني خارج عن الشرعية الدولية وخارج عنهما، ولم يستطيعا تفعيل أي قرار من تلك القرارات التي لا تحصى ولا تعد المتعلقة بإسرائيل ولم يستطيعا فعل شيء حيال المجازر ومرتكبيها من مجرمي الحرب في قانا وفي جنين ونابلس والمجازر التي تتجدد كل يوم في الأراضي العربية المحتلة وفي ما حدث من قت لترويع لآلاف الأبرياء في أفغانستان والعراق ولا حتى استطاعا حل مأساة الأسرى والمرتهنين في السجون وفي أقفاص جوانتانامو، الذين ينتظرون إلى أجل غير مسمى، بلا تهم ولا أدلة وبلا محاكمة، وحيال حقوق الإنسان، في فلسطين المحتلة وفي أفغانستان وفي العراق الآن الذي يعيش فيها الإنسان بحالة مزرية من نهب القريب والغريب، والعصابات الدولية التي تنهب الآثار والحضارة لتبيعها في أسواق ومتاحف العالم التي ظهر بعضها الآن في باريس، وضياع كامل للأمن والأمان بسبب شرطي العالم الجديد الذي نصب نفسه وهو مدان بخروجه عن الشرعية الدولية وباستخدام أعتى أشكال إرهاب القوى، فهذا الكيان ما يسمى بجامعة الدول العربية، مهما واجه من تحديات ومهما واجه من إخفاقات، لا يمكن أن نقبل بزواله لأن زواله معناه الإعلان رسمياً عن خروجنا من خارطة العالم ومن المحافل الرسمية وذلك يعني وفاتنا رسمياً والغياب التام لأي صوت أو دور عربي في العالم، بل يمهد لتدويننا في عداد تلك الأمم البائدة في صفحات التاريخ، وإن كانت جامعة الدول العربية يقول عنها البعض بأنها ترقد في غرفة الإنعاش منذ وقت.. فعلينا أن ننقذها لتخرج بكامل الصحة والعافية لا أن نحكم عليها بالموت والإعدام، فالجسد العليل نطببه ونقدم له كل ما يلزم لشفائه لا أن نمل من مرضه وضعفه فنطالب بقتله واغتياله.. لصالح من هذا؟
فدون الجامعة العربية نحن نمثل لا شيء فلا منظمة ولا هيئة تجمعنا فنصبح لا هوية ولا انتماء، وهذا أكثر ما يتمناه الكيان الصهيوني..
شعوبنا عليها أن تعلم جيداً ما هي حقوقها وما هي واجباتها، وكيف تفعل دورها في مقاطعة السلع والبضائع التي يجب أن تقاطعها وعلينا أن نعلم أطفالنا أيضاً لننمي لديهم الحس الوطني والشعور بالانتماء لأمتهم وبالمسؤولية حيال قضاياها، ولنثأر ولو بالحد الأدني لكرامتنا، فبأموالنا بتنا نعاقب وبأموالنا نضرب في أمتنا وبأموالنا يعمرون ما يدمرون وبأموالنا تبنى المستوطنات وبأموالنا يجعلونا نتسول لكي نحصل على حقوقنا، فلنكون سادة أنفسنا بل سادة العالم، كما أراد الله لنا أن نكون {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ} لا ينفع الحزن ولا البكاء لا ينفع ذلك الاستسلام وتلك السلبية.
لا خيار سوى منطق الحكمة والعقل فلنكون أقوياء بديننا وبسلاح العلم ولنناشد مؤسساتنا وأثرياءنا إلى جانب حكوماتنا لتمويل البحوث العلمية والتكنولوجية ولننهض بذلك الجانب بكل حماس، فلدى أمتنا من العلماء والأكاديميين مالا يستهان به فلنجمع تلك الطاقات المهدرة التي كثير منها مهجر في العالم لعدم إتاحة الفرص لهم في بلادهم لتطوير وإنجاز ما لديهم من طاقات، فيمكننا في خلال سنوات معدودات إنجاز الكثير، ولنمتلك قوة ردع إسوة بإسرائيل والهند وكوريا الشمالية وباقي دول العالم التي تمتلك قوة ردع يحسب لها ألف حساب مثل أمريكا نفسها التي تريد تجريد أمتنا من كل قوة ردع لنظل دائماً فريسة سهلة، وذلك يقتضي بأن يقوم كل منا بدوره فتلك مسؤولية يفرضها علينا ديننا وكتابنا المنزل، وليبدأ كل منا بنفسه أولاً.
ص.ب: 4584- جدة: 21421
|