ذهب الرئيس بوش ليحارب هتلر ألمانيا فوجد بدلا من ذلك أفغانستان أخرى، فبعد مقارنة التهديدات التي يمثلها صدام حسين بتلك التي كان يمثلها «الفوهرر» الالماني كان غريبا أن نجد بمجرد وصولنا نظاما مترنحا يجثم على صدر جماهيرعالم ثالث محبط.
بالطبع كانت مخابراتنا التي نفتخر بها تعلم جيدا من خلال الطلعات الجوية، ومن تقارير مفتشي الأمم المتحدة الذين كانوا يمسحون أراضي تلك الدولة بحرية، أن العراق تقلص عقب عقدين من الحروب والعقوبات والتفتيش على الأسلحة إلى أن اصبح نمرا من ورق.
إلا أن هذا لم يمنع الإدارة الحالية من تصوير بغداد على أنها مستقر للشر وأنها قوية للغاية.
وبينما كان بوش يلقي خطبه النارية، قدَّم وزير دفاعه قائمة خرقاء لمجموعة الأسلحة العراقية، قائمة طويلة ومحددة بقدر ما هي زائفة ومرتبطة بالظروف. لقد استخدم الخطاب السيئ السمعة الذي أرسله وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة تقريرا للمخابرات مسروق من رسالة علمية لطالب بالدراسات العليا، وعلم فيما بعد أن الوثائق كانت مزيفة، وتعد إثباتا ملفقا على وجود أسلحة كيماوية بينما امتنع عن الاعتراف بأنها دمرت لاحقا.
وبعد أن اعتلينا سدة السلطة في تلك البلاد، فإننا نعلم الآن بكل تأكيد أنه إذا كانت الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية موجودة فإن الجيش العراقي لم ينشرها بطريقة تهدد الولايات المتحدة أو أي أحد آخر.
وبطريقة مماثلة أثبتت مخاوف بوش حول برنامج العراق النووي المزعوم أنها لا أساس لها.
حتى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، حليف بوش الحقيقي الوحيد خارج واشنطن، قلق من أن الأسلحة المخيفة لن تظهر أو من احتمال أن يعتقد العالم المتشكك بأنها زرعت كفكرة متأخرة.
وقال بلير مؤخرا إن «نوع ما من التحقق الموضوعي» من وجود الأسلحة سوف يكون «فكرة جيدة».
ومع ذلك فإن رفض الأمم المتحدة السماح بعودة مفتشي الأسلحة برئاسة هانز بليكس وفريقه للاستمرار في عملهم لهو دليل على مخاوفنا من أن الأسلحة المحظورة ببساطة غيرموجودة على الأقل بكمية أو شكل يسمح باستخدامها.
وتثير أيضا الشك في أن العلماء العراقيين المحتجزين حاليا تحت الأسر الأمريكي والذين انقطعت صلاتهم مع العالم الخارجي سوف يتم الضغط عليهم إلى أن يخبرونا بما نريد أن نسمع. وبغض النظر عما حدث لمطلب ما قبل الحرب بأنه يجب منح هؤلاءالعلماء أنفسهم الحرية لقول روايتهم في بيئة غير مخيفة.
ربما يخاف بوش من الحقيقة، لأن الأسلحة التي ما زالت مختفية تعد بقعة كبيرة تلوث الإدارة الامريكية الحالية، وسوف تجد الولايات المتحدة بدون شك مركبات تستخدم في تصنيع الأسلحة فقط كما زعم مؤخرا. لكن ذلك كان أبعد كثيرا من أن يمثل «تهديدا وشيكا».
وكما شرح جوزيف كرينيسون خبير كبير في مؤسسة «كارنيجي انداومنت» فإن وهم وجود تلك الأسلحة كان السبب الأساس في الذهاب إلى الحرب ضد العراق. وهو السبب الذي يجب أن نغادر من أجله الآن إذا لم نجد مخزونا كبيرا من تلك الأسلحة، بكميات كبيرة تمثِّل تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة. وإلا فسوف تتعرض مصداقية الرئيس لخطر حقيقي وستفقد الحرب مشروعيتها.
يمكننا أن نأمل في أن يتحول كل ذلك إلى الأفضل، وأن جنرالا أمريكيا متقاعدا سوف يدرك كيف يستخدم الموارد الطبيعية للبلاد للقضاء على الفقر، وبناء مدارس ممتازة، ويمنح شوارع خالية من الجريمة ونظام انتخابي فعَّال يشارك فيه جميع الطوائف العرقية.
حينئذ يمكنه أن يعود إلى الخلف ويطبق هذه العبقرية في الداخل حيث رأينا الكثير من العنف وعدم الترحيب والفقر والسياسيين الفاسدين، وعلى الرغم من ذلك فمن غير المحتمل أن تتحول هذه «الفانتازيا» إلى حقيقة، ولو أنها على حساب تكلفة مادية، وخسائر بشرية ومعاناة إنسانية لا حدود لها.
يجب أن نتذكر أن هذا لم يكن المبرر الذي قدَّمه بوش للشعب الأمريكي لشن الحرب.
وبكلمات مختصرة. يجب أن يظل المرء يتساءل ذات السؤال الاساسي المحرج: هل خدع رئيسنا عن علم الولايات المتحدة باندفاعه إلى الحرب؟
(*) لوس أنجلوس تايمز.
|