في الأسبوع الماضي فقدت محافظة النماص اثنين من أبرز وجهائها الشيخ علي بن عبدالرحمن العسبلي، والشيخ علي بن حمدان العمري، ودعتهما الى مثواهما الأخير بصمت وهدوء إلا من دعاء محب معز، أو معزّى له وللحقيقة فإن الكل في تلك المحافظة وضواحيها «مستعزين فيهما» - رحم الله الفقيدين رحمة واسعة وأعاذهما من عذاب القبر، ومن عذاب النار وأفسح لهما في قبريهما ووسع لهما ونور لهما فيهما-.
لقدعُرف عن الأول حبه لفعل الخير وعطفه على الفقراء والمساكين وقضاء حوائجهم ومتابعة أوضاعهم حسب مقتضيات الحال وطبيعة الاحتياج وما أكثر ما كان يصحب الكثير منهم الى فروع الأجهزة الحكومية المختلفة حتى أصبحت سمة وسجية تعارف عليها وتواصى بها الكبار والصغار ومن سكان تلك المحافظة والمجاورين لها بدو - وتهم - وحاضرة فلم يكن يبخل بجاهه أو ماله أو جهده في سبيل مساعدة كل من يحتاج اليه يعرفه أو لا يعرفه.
وصار كل مسؤول في المحافظة أو الشرطة أو الضمان الاجتماعي أو الأحوال المدنية أو الزراعة أو البلدية أو الصحة إلخ يعرف مسبقاً عند قدومه أنه لا يأتي لحاجة شخصية له وإنما ليشفع لغيره، فتجدهم يستقبلونه بترحاب بالغ، وكان رحمه الله يوصي لكل مسؤول بأن القوي لا يحتاج الى شفاعة أحد وان من يتقدم لخدمتهم هم شريحة من البسطاء الذين هم في أحوج ما يكونون الى مساعدتهم ووقوفهم الى جانبهم.
لقد كان واجهة مشرفة للمحافظة مضيافاً قلما تناول وجبته بمفرده، وما كان يسمع بزائر أو غريب في المحافظة إلا ويهرع للسؤال عنه وزيارته ودعوته الى منزله وتقديم واجب الضيافة له ثم قضاء حاجته إذا كان له حاجة.
كان يتعهد سجناء الحق الخاص والمرور والمرضى في المحافظة وله قصص مؤثرة وأفعال فيها من الشهامة والايثار ما تعجز عن وصفه الكلمات وإذا لم تخني الذاكرة انه كان يدفع ديات وديون عن أصحابها دون معرفة سابقة أو لاحقة، وبدون كفيل أو معرّف خصوصاً في الحالات التي يكون توقيفهم بسببها سواء مما هو متوفر لديه أو بالحصول عليه بجاهه من غيره إذ لم يكن من أهل اليسار في كل وقت، فكلما كان يحصل عليه يحرقه في منزله، ودون وجهه ومكارمه وينفقه في أوجه البر والإحسان رحمه الله كان وجيهاً مقبولاً من كل شرائح المجتمع في المنطقة، ولا يتعفف عن فعل الخير أو يتردد عن بذل جهده وجاهه لكل محتاج ذكراً أو أنثى من أهل المحافظة أو غيرها.
أما الثاني فقد عرف بالحكمة ورجاحة العقل وبعد النظر وسعة الخاطر وكان يقضي جل وقته مع بعض الأخيار في المحافظة لإصلاح ذات البين لما اتسم به من حصافة، وذكاء وقدح ذهن وكان رحمه الله مسموع الكلمة معروفاً في أوساط المحافظة وضواحيها خبيراً بأحوال أهلها وعاداتهم وتقاليدهم ومن الرواة المشهورين شعراً ونثراً لتراث وأدب المحافظة ويتمثل ببعض أبيات الشعر من أقواله كان شجاعاً شهماً كريماً عزوفاً تفتقد مثله كثير من المجتمعات.
رحمهما الله وندعو لأسرتيهما وأصدقائهما بالصبر والسلوان وأن يعوضنا جميعاً فيهما خيراً ويجعل البركة في أبنائهما إنه قدير و{إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.
فما المعزي بباق بعد صاحبه
ولا المُعزى وإن عاشا إلى حين
|
|