* إعداد- قسم الترجمة:
المشاركون في الندوة
شبلي تلحمي: باحث متعاون مع معهد بروكنجز وخبير في الشئون السياسية واستاذ كرسي السادات للسلام والتنمية بجامعة ميريلاند الأمريكية.
سيمون براون:استاذ التعاون الدولي في جامعة برانيدز الأمريكية ومؤلف كتاب وهم السيطرة.
روبيرتا كوهين:باحثة في الشئون السياسية ومدير مشارك في أحد برامج معهد بروكنجز البحثية
مارتن إنديك: مدير مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز وسفير أمريكي سابق.
إيريك شوارتز:باحث في مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة
***
ادار الندوة:
كينث بولاك باحث كبير في دراسات السياسة الخارجية الأمريكية ومدير إدارة الأبحاث في مركز سابان لسساسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز.
***
اشار الجزء الاول من هذه الندوة الى أعباء التعمير وتحقيق الأمن والاستقرار في العراق باعتبارها من مسؤوليات المنتصر، والمح بعض المشاركين في الندوة إلى ان امريكا نجحت في التدمير لكنها، فشلت في ما بعده.. وأنها بحاجة إلى العالم لكي تحقق نجاحاً في العراق.. ذلك العالم الذي تخطته نحو الحرب وهي مدفوعة بقرع الطبول ومصممة على خوض المعركة بأي ثمن.
الجزء الثاني من الندوة يبرز الشعور القوي بالعداء والسخط تجاه امريكا بين الشعوب العربية والإسلامية.. فيما يشكك بعض المشاركين في الندوة بامكانية تحقيق سلام حقيقي في الشرق الاوسط، وان تهديدات واشنطون لسوريا كانت مجرد افصاح عن النوايا الحقيقية للوجود الامريكي في المنطقة.
ولا تزال الشكوك حول الدوافع الاساسية للحرب تمثل الشعور الحقيقي لغالبية العرب.. وينظر بعض الخبراء والاكاديميين إلى المهمة الامريكية في العراق على أنها ناقصة وان ما ينتظرها لايزال كثيراً ومحفوفاً بالصعوبات .
وفيما يلي أبرز النقاط التي طرحت للنقاش في هذا الجزء من الندوة.
هل سيقبل العالم بالهيمنة الأمريكية؟!
ينيث بولاك: والآن ننتقل إلى شبلي تلحمي ليتحدث عن عملية بناء نظام ديموقراطي في العراق ويعطينا المزيد من الإيضاح حول نظرة باقي العالم العربي وشعوبه لهذه العملية.
شكوك عربية
- شبلي تلحمي: منذ حوالي شهر تحدثت حول نتائج استطلاع للرأي قمت بإجرائه في أوائل مارس الماضي وشمل ستة دول عربية عن أسباب معارضة شعوب هذه الدول للحرب الأمريكية ضد العراق، لذلك فسوف أبدأ من هذه النقطة لتحديد ما يبحث عنه الناس الآن ورأيهم في الحرب.
بداية فإن الأغلبية الساحقة في الشرق الأوسط والوطن العربي تعارض الحرب نتيجة الشكوك في الدوافع الأمريكية بشكل أساسي وعندما تدرس نتائج استطلاعات الرأي التي جرت في الدول العربية سواء استطلاع الرأي الذي أجريته أنا أو غيره من الاستطلاعات فإنك ستجد أن الإجابة المشتركة بين العرب هي أنهم يعتقدون أن الحرب لن تقتصر على العراق فقط، والحقيقة أن هذا هو الواقع بالفعل في إطار السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة التي تجعل من الحرب ضد العراق مجرد حلقة أولى في مسلسل التغييرات التي تريدها أمريكا في الدول العربية والإسلامية.
ولذلك فهناك شعور قوي بالعداء والسخط لأمريكا بين الشعوب العربية والإسلامية وبخاصة لأن هذه الشعوب ترى أن العراق مجرد خطوة أولى في إطار السياسة الأمريكية الجديدة.
ثانيا هناك اقتناع واسع بين الشعوب العربية كشف عنه استطلاع الرأي بأن السبب الأساسي لهذه الحرب ضد العراق هو للاستحواذ على البترول العراقي، ولا يعتقد أي عربي أن هدف الحرب هو لنشر الديموقراطية أو تحقيق السلام والتنمية الاقتصادية في المنطقة العربية بأسرها، إذن فالبترول يعتبر عاملا حيويا في التقييم.
ثالثا يرى معظم العرب أن هذه الحرب تهدف إلى تحقيق مصالح إسرائيل وإيجاد نظام إقليمي جديد يعطي لإسرائيل السيطرة على العرب جميعا، وهذه هي رؤية العرب للحرب والتي بموجبها عارضوها معارضة شديدة وإذا سألتهم عن توقعاتهم بشأنها فسوف يقولون انهم يتوقعون أن يكون الشرق الأوسط أقل ديموقراطية في ظل السيطرة الأمريكية وسوف تزداد التهديدات الإرهابية.
وستتقلص احتمالات تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل ولن تزيد كما تتوهم الإدارة الأمريكية، إذن فهناك شعورعام بالتشاؤم لدى العرب مما سيحدث بعد الحرب، لذلك فهناك حاليا شعور عام بالصدمة في الشرق الأوسط بعد الحرب وهناك حالة من الإنكار والتكذيب وهناك ردود فعل إنعكاسية وإعادة تقييم.
ومما لا شك فيه أن هذه الحالة ستستمر لبعض الوقت والحقيقة أن هذه المشاعر نتيجة للتركيز على السياسة الخارجية الأمريكية وتقييمها، والحقيقة أن أي تحليل للسياسة الخارجية الأمريكية من وجهة النظر العربية لا يكون في صالح أمريكا بأي حال من الأحوال، فإذا كانت الإدارة الأمريكية تعلن بنفسها أن العراق مجرد حلقة فإن السؤال الطبيعي الذي يثور في أذهان العرب هو ومن بعد العراق؟ هل هو سوريا ثم مصر ثم السعودية؟ أم أن العراق سيكون حلقة منفصلة بذاتها خاصة وأن الولايات المتحدة بدأت بالفعل في بناء الكباري والجسور مع العرب وإصلاح ما فسد من العلاقات والتركيز على عملية السلام العربي الإسرائيلي؟والحقيقة أن التصريحات الأمريكية المتعلقة بسوريا خلال الأيام الأخيرة دعمت وجهة النظر السلبية لدى العرب بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، والقضية ليست في سوريا بذاتها ولكن لأن هذه التصريحات تشير إلى أن اليد العليا في واشنطن هي للمعسكر الذي يدعو إلى التركيز على التغيير في الشرق الأوسط بالقوة المسلحة وتجاهل أو تأجيل موضوع السلام العربي الإسرائيلي، وللأسف هناك شخصيات نافذة داخل الإدارة الأمريكية ترى أن الاستقرار في الشرق الأوسط أو العالم أمر سيئ وأن الأفضل هو استمرار التوتر، لذلك فإن أحد أهم المؤشرات التي سنراها خلال الأسابيع القليلة القادمة سيكون تلك الرسائل التي ستبعث بها الإدارة الأمريكية حول سياستها في الشرق الأوسط، وهذه الرسائل ستتعلق ليس بما يحدث في سوريا ولا بما يحدث في العراق ولكنها ستتعلق بتفسير منطقة الشرق الأوسط للجدل المشتعل في واشنطن حول هذه المنطقة المهمة من العالم، أما بالنسبة للبترول فإنه يمثل عنصرا مؤثرا في تكوين العقل العام لمنطقة الشرق الأوسط، وهناك اعتقاد عام بأن أمريكا موجودة في المنطقة بسبب البترول، وإذا ما تابعت وسائل الإعلام العربية خلال الأيام الماضية ستجد أنها ركزت في تغطيتها لأخبار عمليات السلب والنهب والتخريب التي شهدتها المدن العراقية على حقيقة أن هذه العمليات طالت كل شيء وكل مكان حتى المستشفيات والمكتبات ولكنها لم تمس وزارة البترول ولا المنشآت البترولية.
وقد شكلت هذه النقطة محور اهتمام مختلف وسائل الإعلام في المنطقة وهذا يعني أن البترول يشكل عنصرا مؤثرا في أي جدل حول الموقف الأمريكي من المنطقة العربية.
سحب القوات
وكان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قد أعلن أن أمريكا لا تعتزم ترك قواتها في العراق لفترة طويلة، وأعتقد ان هذا التصريح إيجابي خاصة في مواجهة المخاوف والشكوك في النوايا الأمريكية لدى شعوب المنطقة. ولكن أمريكا تواجه معضلة صعبة بالنسبة لقضية البترول، والمعضلة ليست في البترول ذاته ولكن المعضلة تتمثل في عدم رغبة الولايات المتحدة في مغادرة العراق قبل قيام نظام حكم مستقر حتى لا تتكرر تجربة أفغانستان بعد انسحاب القوات السوفيتية منه، وهذا هو النموذج الذي تريد أمريكا تجنبه في العراق خاصة وأن العراق ليس مجرد دولة فقيرة كأفغانستان ولكنه دولة غنية بالبترول والثروات الطبيعية الأخرى، إذن فالولايات المتحدة لن تنسحب من العراق قبل قيام حكم مستقر فيه، وفي نفس الوقت فهي لا تريد البقاء فيه لفترة طويلة حفاظا على مصالحها العامة، والحقيقة أن معالجة هذه المعضلة تعد مهمة معقدة جدا خاصة في ظل مناخ من الشكوك وعدم الثقة بين العرب والأمريكيين، وهنا تصبح الحاجة ملحة إلى إيجاد أطراف أخرى مثل الأمم المتحدة لتوفير غطاء من الشرعية للوجود الأمريكي ولعب دور ما في مواجهة هذه المصاعب. وأخيرا نصل إلى موضوع الديموقراطية، السبب الأساسي في شكوك العرب تجاه النوايا الأمريكية المتعلقة بنشر الديموقراطية في بلادهم هو أن أمريكا نفسها تشجع حكومات الدول العربية على ممارسة القمع ضد شعوبها حتى تنفذ بعض السياسات التي تطالب بها أمريكا نفسها ولا تحظى بقبول عربي عام، ولا تستطيع هذه الحكومات تنفيذ ما تطلبه منها الإدارة الأمريكية إلا باستخدام أجهزة الأمن وبممارسة المزيد من القمع، لذلك فإن هذه الشعوب العربية لا تتوقع أي خير من جانب أمريكا بالنسبة لهذه القضية بالذات، ومن المتوقع استمرار هذه الشكوك على الأقل خلال المستقبل المنظور خاصة بعد تزايد الفجوة بين مواقف الشعوب العربية وحكوماتها بشأن الحرب الأمريكية ضد العراق حيث كانت هذه الشعوب ترفض بقوة الحرب في حين أن الحكومات العربية وتحت ضغوط هائلة من أمريكا تجاهلت مواقف شعوبها وهو أبعد ما يكون عن الديموقراطية التي تملأ الولايات المتحدة الدنيا حديثا عن نشرها، والحقيقة أن هذه الحكومات لا تمتلك أي وسيلة لعلاج هذه الفجوة سوى بمزيد من القمع، وربما يختلف الموقف قليلا بالنسبة للعراق حيث أن هناك اتفاقاً على أن نظام صدام حسين كان أكثر الأنظمة قمعا وإرهابا وأن أي شيء غيره سيكون أفضل بالتأكيد، ومع ذلك فهناك خوف عام من الانقسام والتقسيم خاصة في ظل التنوع العرقي والطائفي في العراق كما أن هناك قلق بشأن ما ستسمح به أمريكا وما سترفض حدوثه في العراق وما إذا كان سيتم فرض حكومة على العراقيين من الخارج أم لا، إذن فالموقف في العراق شديد التعقيد فيما يتعلق بقضية الديموقراطية.
وقد أدرك أغلب الخبراء المهتمون بالشأن العراقي أن الحرب التي شنتها القوات الأمريكية ضد العراق كان أسهل جزء فيها عملية الإطاحة بحكومة صدام حسين وإقامة حكومة جديدة بدلا منها، ولكن الجزء الأصعب بدأ بعد انتهاء المعارك وصمتت المدافع ومحاولة كسب السلام كما تم كسب الحرب.
ومن أسباب القلق بشأن«الديموقراطية» في العراق هناك الحقائق القائمة على الأرض، وهذه الحقائق لا تعني فقط الطائفية ولكن أيضا الانقسامات داخل كل طائفة أو مجموعة عرقية وهو ما يضع الجميع أمام مجموعة من الخطوط المتقاطعة بصورة شديدة التعقيد.
السبب الثاني: هو أن العراق شهدت على مدى الخمسة والثلاثين عاما الماضية عملية تدمير منظمة لكافة المؤسسات المدنية من أجل إحكام قبضة حزب البعث على الحكم في مختلف المجالات، كما اختفت الطبقة الوسطى خلال العقود الماضية وهي الطبقة التي يمثل وجودها عنصرا لا غنى عنه لإقامة ديموقراطية حقيقية في أي مجتمع، إذن إذا ما تحدثنا عن العراق من منظور الوجود المؤسسى للقوى المدنية فسنجد أن التنظيمات الوحيدة القائمة هي التنظيمات الدينية، وقد شاهدنا بالفعل أكثرمن مليون شيعي يتدفقون على مدينة كربلاء، وهذا يعني أنه إذا ما جرت انتخابات الآن أو حتى في غضون عامين فإن الزعامات الدينية ستكون الوحيدة القادرة على حشد أنصارها في هذه الانتخابات ولعب دور مؤثر في الساحة السياسية، فكيف يمكن إيجاد مناخ ينتج منافسين للزعامات الدينية؟ وأين سيتم إقامة المؤسسات التي تستطيع حشد الناس للذهاب إلى مراكز الاقتراع؟ أعتقد أن هذه هي المعضلةالحقيقية التي تواجه الإدارة الأمريكية إذا ما قررت إجراء انتخابات ديموقراطية حقيقية في العراق، السبب أنه إذا ما جرت انتخابات حرة في العراق الآن فالمؤكد أنها لن تسفر عن النتيجة التي تتطلع إليها واشنطن في بغداد.
كينيث بولاك: تناول شيبلي مسألتين يعتبران الأكثر تعقيدا، واللتين لا تزالان تلوحان للولايات المتحدة في الشرق الأوسط عملية السلام العربي-الإسرائيلي وآفاق الإصلاح في العالم العربي، هل يتفق مارتين انديك مع الطرح الذي قدمه شيبلي تلحمي؟
مارتن انديك: جوهريا، لكي نعالج هاتين المشكلتين في هذا الوقت الذي نضع فيه أقدامنا على أرض العراق نحن في حاجة لتوظيف كل قدراتنا في إستراتيجية ونمد يدنا لأصدقائنا في العالم العربي، وبصفة خاصة الرئيس حسني مبارك في مصر، ونمد يدا أخرى لأصدقائنا في إسرائيل، بالمناسبة، ربما كان علي أن أوضح ما أعني بمد أيادينا لاصدقائنا، أن نمد يدا إليهم تعني أن نقوم بدفعهم للأمام وتشجيعهم، لكن في ذات السياق وددت أن أتحدث حول كيفية تعاملنا مع هاتين المشكلتين، عملية السلام وآفاق الاصلاح في العالم العربي.
أولا وقبل كل شيء، من المفيد أن نفعل هذا بعد تصحيح واستقرار الأوضاع في العراق، والذي يعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة لنا.
إن إزالة صدام حسين عن طريق تدخلنا المسلح، ببعض العون من أصدقائنا كان زلزالا بالنسبة للسياسة العربية وبالنسبة لميزان القوة داخل العالم العربي وأيضا بالنسبة لميزان القوة في السياق العربي-الإسرائيلي.
التأثير الامريكي
نحن في الوقت الحاضر القوة المهيمنة في المنطقة بالطبع نحن القوة العظمى ومهيمنون في كل العالم لكن الآن ونتيجة لتدخلنا نحن في وضع يؤهلنا لاستخدام تأثير هائل في المنطقة.
ثانياً: المخادعون دول محور الشر، اولئك الذين يعارضون مصالحنا ومصالح أصدقائنا في العالم العربي أو في إسرائيل هم الآن في حالة دفاع، لفهم صحة هذه العبارة، ليس علينا إلا أن ننظر لكيفية استيعاب السوريين للواقع الجديد لميزان القوة الجديد في الشرق الاوسط، إيران أيضا في حالة دفاع، تؤدي الدور بشكل أكثر حذقا من سوريا في هذا الصدد، وترى حصصا كبيرة لها في العراق الجديد، لكن ذلك هو ما تقوم بالتركيز عليه، أنا لا أرى الآن ان حزب الله، أو الجهاد الإسلامي.، اللذان يتلقيان الدعم من إيران في الساحة العربية - الإسرائيلية يقومان بفعل أي شيء يذكر في هذه اللحظة بسبب استيعاب إيران للتحول في ميزان القوة.
ثالثاً: من حيث الفرصة المتاحة أعتقد أن إزالة نظام صدام حسين في العراق بمثل هذه السرعة والفاعلية كان لها أثر قوي في العالم العربي، لقد ذكر شيبلي سلفا بعض التفاصيل حول ذلك ولن أقوم بالتوسع فيه إلا لإيراد مثال واحد عليه، إنه إيراد قصصي في الواقع لكني أعتقد بأنه معبر.
انفجار الفقاعة
كنت للتو في مؤتمر بالدوحة بقطر حول الديمقراطية والتجارة الحرة في العالم العربي، لقد شاركت في عدد من مثل هذه المؤتمرات، وأعرف أن شيبلي وآخرين فعلوا ذلك خلال العامين - أو العام ونصف العام - الأخيرين منذ 11 سبتمبر، في العادة يصعب الحصول على مناقشة جادة حول أية مسألة باستثناء المسألة الفلسطينية.إن فلسطين هي القضية طوال الوقت، يتم تفسير كل شيء من مفهوم الحديث الثقافي العربي، من مفهوم فشلنا في فعل أي شيء في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية على الأقل كان الأمر كذلك إلى حين الإطاحة بنظام صدام حسين، فجأة يبدو الأمر كما لو أن الفقاعة قد انفجرت ونفس المثقفين العرب يقومون الآن بمواجهة حقيقة فشل نظامهم في إنتاج ومقابلة إحتياجات شعوبهم، ويعبر ذلك عن نفسه في هذه الرغبة للمرة الأولى لمحاولة قبول العيوب والإخفاقات والاستخدام الممكن لحريات سياسية أكبر.
ديمقراطية أكبر
مزيد من الإصلاح السياسي في مجتمعاتهم باعتبار كل ذلك جزءا مهما من الإجابة، لقد تغيرت اللغة في أحاديثهم، إن الرغبة في قبول إخفاقات أنظمتهم هي فيما أعتقد ناتج عرضي لما حدث في العراق، يخلق ذلك بدوره فرصة بالنسبة لنا في العالم العربي، أخيرا هناك الأثر على الوضع الإسرائيلي - الفلسطيني الذي استفاد بدوره مما حدث في العراق، ويظهر هذا بوضوح في النقطتين التاليتين: أولاً وقبل كل شيء، وكما أشرت سلفا لقد تغير ميزان القوة في العالم العربي لصالح أولئك الذين يؤيدون فكرة التصالح مع إسرائيل وضد اولئك الذين يعارضونها.
ثانياً، وهذا أمر لم تتم الإشارة له كثيرا، لقد تبخر ببساطة هاجس إسرائيل من تهديد في الجبهة الشرقية بتدمير الجيش العراقي، إستولت إسرائيل على الضفة الغربية واحتفظت بها لثلاثين عاما، ليس لسبب ايديولوجي، وليس لأنها أرض الميعاد كما يعتقد نحو 20 في المائة من الإسرائيليين بينما يؤيد 80 في المائة منهم الإحتفاظ بالضفة الغربية بسبب التهديد الأمني من تحالف محتمل في الجبهة الشرقية، لم يعد لهذا التهديد أي وجود وليس من المحتمل أن يكون له وجود في المستقبل المنظور، ما هو قائم الآن سيطرة أمريكية على العراق، وجيش عراقي لا وجود له، وإتفاقية سلام مع الأردن متماسكة ونظام قادر على ضمان الأمن وجيش ضعيف في سوريا يمكن دحره بسرعة أكبر من تلك التي دحر بها جيش صدام!
انهاك متبادل
بالتالي سيؤثر ذلك على حسابات الإسرائليين حول ما هو ممكن هذه الأيام، يجيء ذلك أيضا في وقت يكون فيه الفلسطينيون والإسرائيليون - بعيدا عما يحدث في العراق - منهكين بسبب عنف الانتفاضة على إمتداد العامين الأخيرين أو العام ونصف العام الأخير، ويتطلع فيه الجانبان لمخرج من هذا الوضع ويتطلعان للولايات المتحدة للمساعدة في إخراجهما منه، المقصود هنا هو وجود علاقة تعايشية بين ما نفعله من حيث الدفع بالأجندة الديمقراطية في العالم العربي والدفع بعملية السلام الإسرائيلي - الفلسطيني وما يحدث في العراق، بقدر ما نحقق المزيد من النجاح في إعادة بناء العراق بعد الحرب سيكون في إمكاننا أن نساعد الطرفين أكثر عن طريق تقديم المثال العملي وبسبب هذا التأثير الأوسع على ميزان القوة في المنطقة، والدفع بتلكما المسألتين الأخريتين، وبقدرما نحقق المزيد من النجاح في المسألتين الأخريتين، سيعيننا ذلك أكثر من حيث أجندتنا في العراق.
ما هي تلك الإستراتيجية؟ دعوني أقول بسرعة.
أولا وقبل كل شيء يجب مد يدا لمبارك، نحن في حاجة لكي نفهم أن ما فعلناه قد خلق قدرا كبيرا من عدم الأمان والتشويش بين القيادات العربية، في أوساط أصدقائنا في العالم العربي الذين طلبنا منهم خلال العامين الأخيرين أن يفعلوا شيئا تجاه ما نسميه المستنقعات التي ولدت الإرهابيين الذين هاجمونا في 11 سبتمبر.
إن إحدى النتائج التي توصلنا إليها والموضحة في مبادرة إدارة بوش للشراكة الشرق أوسطية هي وجود حاجة لإصلاح سياسي أكبر في العالم العربي، وليس هناك مكان أكثر أهمية من مصر، بسبب دورها القيادي وبسبب حجمها وبسبب تأثيرها في العالم العربي.
القلق المصري والاسرائيلي
نحن في حاجة للتداخل مع الرئيس المصري حسني مبارك شخصيا لكي نريه السبيل لخلق انفتاح في مجتمعه، للسماح لمؤسسات المجتمع المدني بحرية أكبر للتعبير، لإصلاح أجهزة إعلامه، وللسماح لعملية التجربة الحزبية بالتطور بطريقة تقوي هذه الأحزاب الأخرى وتفتح الفضاء السياسي أمام أجندة ديمقراطية.
ثانيا مد اليد لشارون الذي يشعر بعدم الأمان هذه الأيام لسبب آخر، إن مصدر قلقه هو أنه سيكون على إسرائيل دفع ثمن انتصارنا في العراق، ويتصاعد ذلك القلق بسبب تعليقات غير متوقعة تصدر من أصدقائنا من نحو توني بلير الذي يتحدث عن الإنصاف، ويتحدث عن الطريقة التي يتعين بها حمل إسرائيل على تقديم تنازلات، من ناحية أخرى، وكما سبق لي أن قلت، توجد فرصة هنا، وأشار شارون بنفسه إلى أنه يرى هذه الفرصة وذلك بتقديمه «بطاقة» نحن في حاجة إلى إلتقاطها جاء ذلك خلال مقابلة صحفية أجريت معه وقال فيها إنه مستعد لإخلاء بعض المستوطنات في سياق إتفاق يتم التفاوض عليه، الطريقة التي يتعين علينا أن نتقدم بها للأمام هي مشابهة للطريقة مع مبارك، أن نجلس مع شارون ونتوصل إلى تفاهم ليس حول خارطة الطريق، إن خارطة الطريق مسألة جانبية إنها مجرد توضيح آخر لخطة وقف إطلاق النار التي أنجزها جورجتينت أو توصيات ميتشيل لخطوات متبادلة يقوم فيها الفلسطينيون بعمل ضد العنف يقابله الإسرائيليون بالبدء في سحب جيشهم وتجميد عمليات الإستيطان، ذلك هو ما نحتاج لبدء حدوثه على الأرض، ذلك هو ما يمكن أن يحدث إذا ما نجح «ابومازن» في إحباط محاولات عرفات لتقويضه وفي تعيين وزير داخلية قادر على العمل في ما يتعلق بالحالة الأمنية، لكن فوق ذلك، يتعين علينا التوصل لتفاهم مع شارون على وجه الخصوص حول ماهو الهدف المطلوب.
الهدف السياسي
في مقابل هذه الخطوات الرامية لبناء الثقة هل هي قمة للرؤساء تحاول القفز مباشرة إلى تطبيق حل إنشاء دولتين؟ أم هو اتفاق انتقالي سيقود إلى إنشاء دولة فلسطينية بحدود مؤقتة لكن تؤجل الإتفاق النهائي لمفاوضات الوضع النهائي؟ إذا ما اتجهنا لاتفاق إنتقالي اعتقد أنه إذا كان الرئيس بوش جادا في هذا الأمر وقام بالجلوس مع شارون فسوف يمكنه الوصول لاتفاق معه حول ذلك بطريقة تلبي المتطلبات الفلسطينية في الأمد القصير والمتوسط لخطوة أولى فعالة لدولة فلسطينية بحدود مؤقتة في «ربما» 55 في المائة من الضفة الغربية ومعظم قطاع غزة يتضمن إخلاء بعض المستوطنات، تجميد البعض الآخر، أرض فلسطينية متاخمة ينسحب منها الجيش الإسرائيلي دون عودة.
عرض للقوة
كينيث بولاك: لقد رأينا الآن عرضا للقوة الأمريكية الهائلة وأعتقد أن هذا مبعث قلق بالنسبة لأناس كثيرين ومبعث أمل بالنسبة لآخرين عديدين ظننت أن من الأحرى الرجوع لسيوم كي نسأله لماذا ربما يتعين علينا أن نكون أكثر قلقا من هذا العرض الأمريكي للقوة مقارنة بالقلق الذي يثيره عند النظرة الأولى ؟
سيمون براون: إن التعقيدات التي أشار إليها زملائي تشير فيما أعتقد للحاجة إلى إعادة فتح نقاش ما قبل الحرب حول متى تكون الحرب مبررة، كيف يمكن القتال فيها، وماهي مسؤوليات ما بعد الحرب بالنسبة للمنتصر؟
إن الحروب المحسوبة بتعقل، الحروب المبيتة، الحروب الوقائية، مثل تلك التي شنتها الولايات المتحدة على العراق أو الحرب ضد الإرهاب تشن بهدف فرض السيطرة وإلا نجمت حالات فوضوية أو تهديدية.
إن الحروب من هذا النوع، حرب مبيتة كشيء مختلف عن حروب الدفاع عن النفس بعد التعرض لهجوم أو لصد هجوم وشيك، تبدو مغرية حينما يكون لديك تفوق كاسح في أدوات الحرب، يعطي المرء الثقة في القدرة على التحقيق السريع والحاسم للسيطرة على ميدان المعركة بسرعة وإصابة العدو بالصدمة والترويع، تجعله يلقي بسلاحه أرضا.
أن يهرب أو يستسلم وتحقيق هذا بأقل الخسائر في صفوفنا ودونما ضرر كبير على غير العسكريين والمدنيين في البلد المستهدف.
يبدو أننا أدينا المهمة بالشكل المطلوب! إن نتيجة مثل هذا الانتصار هي تسهيل القيود ضد اللجوء إلى الحرب. إنها تهوين عبء التبرير الذي يقول إن الحرب ينبغي أن تكون الخيار الأخير، وأنه يتعين باستمرار إعلانها بواسطة المرجعية الصحيحة، وأن تخضع للتدقيق قبل شنها، يتعين علينا أن نسأل ما إن كانت الثقة الجديدة في القوة كأداة دبلوماسية تمثل أداة مناسبة، لممارسة السيطرة على عالم فوضوي، ما إن كان الترتيب لاستعمال القوة مبررا.
أربعة أوهام
نحن في حاجة للحذر، الحذر من وهم سيطرة القوة العظمى، المكونة من أربعة أمور، فيما أظن، أربعة أمور هي: وهم القدرة المطلقة، وهم القوة الكاسحة، والوهم الأكبر وهم العقيدة الهجومية الجديدة وأخيرا وهم العلم بكل شيء. الوهم الأول، وهم القدرة المطلقة، وهم القطب الأحادي، فرغم أن الآخرين قد يصرخون ويصرخون عندما نطلب منهم أن يفعلوا ما نريده، فإنهم لا يملكون بديلا حقيقيا سوى أن يقتفوا أثرنا في نهاية الأمر، كان ينبغي أن يتحطم هذا الوهم بالعجز في الحصول على دعم مجلس الأمن عندما كنا في حاجة له، وبمعارضة تركيا أثناء الحرب، هنا قد أتناول موضوعا أثناء استطرادي في الحديث عن هذه الأوهام مع التقييم الأكثر تفاؤلا للسفير انديك.
الوهم الثاني، يتعلق بوهم القوة الكاسحة، فقد قمنا باستعراض قوتنا العسكرية وعزمنا على تنفيذ ما أردناه باسلوبنا، فالافتراض أن الآخرين - كوريا الشمالية، السوريين وربما الكوبيين، وربما الصينيين في أزمة قد تنشأ مستقبلا مع تايوان- سيقومون بالتراجع، أي أن ما قمنا به لن يجعل الحرب أكثر احتمالا، بل سيجعلها أقل احتمالا، أقول بأن هذا قد يكون وهما شديد الخطورة على أساس ما حدث، إنه يقوم جزئيا على أساس نجاح الوهم الكبير، أما الوهم الثالث فهو وهم العقيدة الهجومية الجديدة، الضربة الاستباقية مضافا إليها عاملي الصدمة والترويع، أي أننا نستطيع أن نسود سريعا إذا ما استطعنا أن نحارب عن طريق شل العدو بسرعة وفجائية عملياتنا العسكرية.
وأخيرا هناك وهم العلم بكل شيء، أي أننا قد وجدنا الإجابة لكيفية بناء مجتمع مستقر، عادل ومحترم وأننا نستطيع أن نعلم الآخرين هذا الأمر، أننا بدلا من تسهيل القيود ضد اللجوء للحرب، يتعين علينا أن نقوم بتشديدها، نحن يتعين علينا أن نزيد من أعباء التبرير أن نطالب بأن تكون الحرب حقا خيارا أخيرا، ليس بالضرورة خيارا أخيرا من الناحية الزمنية، ولكن الأخير من بين البدائل المشروعة بعد أن نكون قد استنفدنا كل البدائل الأخرى، وأنه يتعين باستمرار إعلانها من قبل المرجعية الصحيحة، وأن نتيقن قبل الدخول في الحرب من أننا قد حسبنا بدقة ما نحن بصدده، بما في ذلك ما سوف يحدث بعدالحرب.
غداً الجزء الثالث والأخير
|