تكبر الآمال والتوقعات في الوزراء القادمين، بقدر ما يكبر الوطن، وتكون جبهته الداخلية صلبة، ومرنة، وقوية، وبدون الوطن ووحدته الداخلية، يصبح الإنسان عندليباً لا يغرد.
حينما عُدْتُ إلى أدبيات الوزارة، وجدتُ أمامي أولاً قول الله تبارك وتعالى: {وّاجًعّل لٌَي وّزٌيرْا مٌَنً أّهًلٌي} وتحليلاً يقول: «لو كان السلطان يستغني عن الوزراء، لكان أحق الناس بذلك كليمُ الله موسى بن عمران عليه السلام».
ولعل حكمة الوزارة تكمن في قول موسى عليه السلام لربه: {اشًدٍدً بٌهٌ أّزًرٌي . وّأّشًرٌكًهٍ فٌي أّمًرٌي} وهذا يدل كما قرأتُ في هذه الأدبيات «على أن الوزير يَشُدُّ قواعد المملكة، إذا استكملت فيه الخصال المحمودة».
ولقد توقفتُ طويلاً أمام حكمة عربية تقول: «وكما يحتاج أشجع الناس إلى السلاح، وأفْرُهُ الخيل إلى السوط، وأحَدُّ الشِّفَارِ إلى المسنِّ، كذلك يحتاج أجَلُّ الملوك وأعظمهم وأعلمهم، إلى الوزير» الأمر الذي يعني - من وجهة نظري الخاصة - أن صلاح الوزير من صلاحه كإنسان، وأنَّ تَعَثُّرَ الوزير من تعثر الأعوان، فانظر إلى منْ هم أعوان الوزير لترى كيف يكون لا كما كان.ومِنْ نِعم الله على ولاة الأمر، أنهم يُقَدِّرون مَنْ لا يكتم عنهم نصيحة وإنْ استقلوها، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي يُرجى من الوزير، في هذه المرحلة بالذات؟
أن يضع مخافة الله وخشيته أمام وقبل وبعد كل قرار يتخذه. أن يستخدم عينيه لا أذنيه. أن لا يركن إلى المتملقين، فالتملق صناعة الجبناء. أن يعتدل في منهجه. أن يعتذر عند الخطأ بعد أن يعترف به. أن يكون أميناً. أن يعدل ولا يظلم، أن لا يخدعه حب ذاته عن إبصار حقوق الآخرين. أن لا يصاب بالبلل حتى وهو قريب من الماء. أن يكون إنساناً في جماعته ومع مجتمعه. أن يجتث التواني فهو مفتاح البؤس. أن تكون وزارته جميلة عندما يقطنها قوم آخرون. أن لا يركب العجلة فمن ركبها أدركه الزلل.
قد ينبري بعضنا ليقول: هذه صفات لوزراء في مدينة فاضلة، ونحن مجتمع بشري لا نسلمُ من صديق يمدح وعدو يقدح، ولكني أقول: نعم، هذا صحيح، ولكنْ «ما لا يدرك كله لا يترك جله» فتوافر الحد الأدنى من هذه الصفات أمر متاح، ولكن توافر هذا الحد لا يعني التوقف عنده، فالكل يعلم بأن الوزير - بحكم أنه بشر - معرض للتقلبات المزاجية الحادة، ولكن هذه التقلبات لا ينبغي أن تنسيه أن مسؤولياته أمام الله جد عظيمة، وأن ثقة ولاة الأمر يحسن أن تقابل بمحاسبة الوزير نفسه قبل أن يحاسب.
رُوِي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا وكانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عمصه الله» وهذا هو حال كل من تُوكَلُ إليه مهمة قيادة أي مؤسسة مدنية اجتماعية، و في مقدمة هذه المؤسسات الوزارات، التي انيطت بها مهام إدارة شؤون المجتمع أفراداً وجماعات.
إنني على اقتناع تام بأنّ «حِلْية الملوك وزينَتَهم وزراؤُهم» وأن من يستوزرهم ولاة الأمر، سيكون موضعهم من المملكة كموضع العينين من الرأس، فهؤلاء «كالمرآة لا تريك وجهك إلا بصفاءِ جوهرها، وجودة صقلها، ونقائها من الصدأ».
|