Wednesday 30th april,2003 11171العدد الاربعاء 28 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العراق من دولة الحزب الواحد إلى دولة الدكاكين السياسية!! العراق من دولة الحزب الواحد إلى دولة الدكاكين السياسية!!
مقرات حزب البعث تحوَّلت إلى حسينيات.. وبيوت المسؤولين إلى مقرات لأحزاب المعارضة!!

* بغداد د. حميد عبدالله:
ما زال المرجل العراقي يغلي بالتطورات مع غياب كامل لأية سلطة تتحكم بتنفيس هذا المرجل تفادياً لانفجاره المدمر بعد ان أحكم نظام صدام حسين إغلاق متنفساته لأكثر من ثلاثة عقود مضت.
مئات الشعارات وعشرات اللافتات ترجمت المشهد السياسي والحزبي في العراق بعد سقوط نظام البعث حتى ان العراق تحول الى دولة دكاكين سياسية أو الى فسيفساء غير متجانسة الألوان، فالمثقفون والمعنيون بالشأن السياسي في العراق صدموا بظهور أحزاب لم يسمع أحد بها من قبل مثل التجمع الجمهوري العراقي وحزب الأحرار، ورابطة المثقفين، والتجمع الوحدوي، وحركة الضباط والمدنيين الأحرار، وتجمع الوحدة الوطنية وغيرها كثير.
ما لم يتفاجأ به أحد هو طغيان اللون الشيعي على بقية ألوان الطيف السياسي العراقي، فقد احتكرت الأحزاب والحركات الشيعية الساحة السياسية في جنوب ووسط العراق حتى لم يعد ثمة من ينافسها في تلك الساحة.
في محافظة النجف مثلاً تحول بيت عضو القيادة القطرية لحزب البعث الذي قتل في الأيام الأولى من الحرب نايف شنداخ - تحول الى مقر لحزب الدعوة، وقد احتلت واجهة ذلك البيت يافطة كبيرة تحمل اسم ذلك الحزب الذي ظل يعمل تحت الأرض لأكثر من نصف قرن وقد قصم ظهر ذلك الحزب في بداية عقد الثمانينات عندما اصدر صدام حسين قراراً بإعدام كل من يثبت انتماؤه لحزب الدعوة، وقد شهدت أقبية الأمن العامة مجازر جماعية لمئات الآلاف من أعضاء ذلك الحزب ممن يطلق عليهم (الدعاة) وكان في مقدمة من شملهم الذبح الجماعي المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر وأخته هاديا حيدر الصدر (بنت الهدى).
أما في مدينة الناصرية التي شهدت أعنف مقاومة ضد الغزو الأمريكي فقد احتلت ثلاثة أحزاب دينية الواجهة السياسية وهي حزب الدعوة، وحزب الله، والمجاهدين مع حضور هش للحزب الشيوعي العراقي الذي تعد مدينة الناصرية الحاضنة التي نشأ فيها هذا الحزب، ومسقط رأس مؤسسه يوسف سلمان (فهد).
أما العاصمة بغداد فقد تسابقت الأحزاب السياسية للاستحواذ على المباني التي كانت تشغلها دوائر حكومية او منظمات جماهيرية لجعلها مقرات لتلك الاحزاب، حيث احتل الحزب الديمقراطي الكردستاني مبنى نقابة الصحفيين العراقيين وكتب على باب النقابة شعاراً يقول (البارزاني الخالد رمز الحرية)، وشطب باللون الأسود على مقولة لصدام حسين تقول (الصحفي إنسان قائد في المجتمع) أما مبنى جريدة الثورة الناطقة باسم حزب البعث فقد اتخذه حزب المؤتمر الوطني العراقي مقراً له، فيما اتخذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من جريدة الجمهورية الحكومية مقراً له، أما مقرات حزب البعث فقد تحوَّل معظمها إلى حسينيات تقام فيها مجالس العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) وخاصة في المناطق الشعبية.
المد الشيعي لم يقتصر على رفع الشعارات الدينية، ولم يكتف بتحكم رجال الدين الشيعة بشؤون الحياة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، بل امتد ليخلع على أحياء بغداد أسماء غير اسمائها التي عرفت بها منذ عشرات السنين، فقد أبدل الشيعة تسمية حي الأمين وهو حي كبير يقع جنوب شرق العاصمة وذو كثافة سكانية عالية وأطلقوا عليه (حي الإمام الرضا عليه السلام)، ومدينة صدام التي كانت تسمى مدينة الثورة وهي اكبر حي في بغداد، إذ تصل كثافة سكانها الى مليوني نسمة أطلقوا عليها (مدينة الصدر)، فيما أطلقوا على منطقة الكمالية المعروفة بكونها مأوى لبائعات الهوى والمواخير الليلية مدينة (الزهراء) وانذروا أهلها بالرحيل عنها بحجة مكافحة الفساد.
اللافت في كل هذا هو الضعف الملحوظ لدور الأحزاب العلمانية والحضور الطاغي للأحزاب الدينية والفئوية والقومية، فمن بين مئات الشعارات الدينية التي تمجد الحوزة الدينية وشهداءها يظهر شعار كان قد توارى عن الأنظار لأكثر من أربعة عقود يقول (سنمضي سنمضي إلى ما نريد.. وطنٌ حرٌ وشعبٌ سعيد) وهو شعار الحزب الشيوعي العراقي الذي انتهز الفوضى السياسية ليثبت وجوده ولو بمجرد الشعارات الحمراء الباهتة.
أمام هذه الضوضاء التي لم تتبين فيها الأصوات بوضوح يقف الأمريكان يرصدون ما يجري بترقب من غير تدخل يعبِّر عن خيارات واشنطن، لكن المؤكد ان القوات الامريكية تنظر الى الغليان الشعبي على أنه فقاعات يمكن تفجيرها في اللحظة المناسبة أما من هو رجل واشنطن أو حزبها المفضل فإنه لم ولن يكون من ذوي العمائم ولا من القوميين المتعصبين أو الثوريين الذين يعيشون خارج قوانين العصر الأمريكي..!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved