استعرضت خلال الأسبوعين الماضيين كتاب «الدولة العثمانية تاريخ وحضارة» وكنت مما تحدثت عنه قيمة هذاالعمل الكبير، وما احتواه المجلد الأول منه من موضوعات.
أما المجلد الثاني فقد جاء في خمسة ابواب، احتوى كل باب على عدد من الفصول تركزت على موضوعات حيوية استكمل بها تاريخ الدولة العثمانية وحضارتها، وهي اللغة والادب والدين والتعليم والفن والعمارة.
فالباب الأول كان بعنوان «في اللغة التركية وآدابها» وجاء في أربعة فصول شملت كل ما يتصل باللغة التركية العثمانية من حيث ابجديتها ومراحل تطورها وانواع الكتب التي كتبت بها، وعلاقتها باللغات الاخرى، ثم العثمانية الجديدة والتي بدأت عند «اواسط القرن التاسع عشر» واستمرت حتى اوائل القرن العشرين، فالمعروف ان حركات التغريب والتجديد التي بدأت بين عهدي التنظيمات (1839م) والدستور الثاني (1908م) كانت تصاحبها ايضاً محاولات لتبسيط اللغة».
اما الادب التركي فشمل الادب التركي في الاناضول، وفي مرحلة التغريب، ولم يغفل هذا الباب ادب الشعوب المسلمة في اوروبا العثمانية، كل ذلك في استعراض تاريخي اعتمد على التدرج الزمني، مقدماً نماذج من شعراء وادباء كل فترة ونماذج من انتاجهم. من قبل الشاعر نفعي الذي يمثل الفترة الواقعة بين 1603 1703م، ومن اشهر شعراء ذلك الزمان اذ عرف بقصائده القوية و: «بصفة الشاعر المتمرد الذي لا ينجو أحد من هجوه اللاذع» وهو: «الشاعر المتمرد في الادب التركي والذي لم يتخل عن طباعه ومزاجه، حتى أنه هجا أباه لانه أصبح نديماً لخان القرم.. فالهجاء والمديح يصلان عنده إلى الذروة، وكانت طبيعته الثائرة تلك ثمناً لحياته. فقدحدث عندما كان يقرأ جريدته في الهجاء المعروفة باسم (سهام قضا) ان سقط على مقربة من السراي العثماني رعد شديد، فأصدر السلطان مراد الرابع امراً يحظر عليه الهجاء، وقال عندها الشاعر:
عهد عليّ بعد اليوم ألا اهجو احدا ولكن
يا ليتك أجزتني بذم حظي العاثر
|
اما الباب الثاني من المجلد الثاني فكان عن «الحياة الدينية والفكرية» واحتوى على ثلاثة فصول وجاء الباب الثالث بعنوان: «معالم الحياة الفكرية في الولايات العربية في العهد العثماني» وجاء في ثلاثة فصول ولاشك ان افراد باب عن الحياة الفكرية في البلاد العربية التي خضعت لحكم آل عثمان يحمل قيمة تاريخية كبيرة من جانب، ومن جانب آخر يحمد لمؤلفي الكتاب التطرق اليه، وقد كان هدفهم كما وضح من مقدمة الباب نفي الاتهام الذي ألصق بالدولة العثمانية عن علاقتها بالبلاد العربية وطبيعة ح7كمها لهذه البلاد، وتقول المقدمة: «قليلون هم الباحثون في الحياة الفكرية في الولايات العربية في العهد العثماني.. وكثير هم الباحثون وبصفة خاصة العرب منهم، الذين قصروا دراستهم على القرن الأخير من ذلك العصر لأنهم رأوا فيه بوادر ما أسموه ب (النهضة العربية» أو بدايات عصر التنوير العربي، بينما لم تثر القرون الأولى من الحكم العثماني اهتماماتهم، لانهم بحسب قولهم وجدوا فيها قروناً لا حركة فكرية حية فيها، او مجددة. ووسمها بعضهم ب«الجمود» و«الركود» و«الانحطاط» و«الخمول» وحمّل «الدولة العثمانية الحاكمة» مسؤولية تلك السمات».
«وقد اظهرت الدراسات ان الحياة الفكرية لم تخمد خلال القرون الاولى من الحكم العثماني وانما كانت حياة فاعلة وحركية على نحو ينسجم مع معطيات عصرها، وقيمه الاجتماعية والفكرية».
وجاء الباب الرابع بعنوان «الحياة التعليمية والعلمية وادبيات العلوم عند العثمانيين» وجاء في فصلين، اما الباب الخامس وهو الأخير فكان عن «الفنون والعمارة» وجاء في اربعة فصول.
وفي الختام
فإن هذا الكتاب يعد من أهم المراجع التي تناولت الدولة العثمانية من كافة جوانبها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والدينية.. الخ. ساهم في اعداده مجموعة من الباحثين المتخصصين في الدراسات العثمانية. وهو مرجع لا غنى لأي باحث من الرجوع اليه عند دراسة الفترة العثمانية، ومما يحسب لهذا الكتاب كثرة المصادر التي استخدمت فيه، وجودة تبويبه وتنظيمه، وعمق تحليله وطرحه، وهو يعد انموذجاً جيداً في الدراسات الموسعة التي يمكن للقارىء ان يجد فيها شمولية في المعلومات عن الموضوع الذي جرى تناوله.
ولا شك أن الجهة المصدر له وهي مركز الابحاث لتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية باستانبول (ارسيكا) تستحق الشكر والتقدير لعنايتها الفائقة بإخراجه على هذا الشكل المتميز.
|