اعتدنا في الدول العربية، أن الرئيس الذي يصل إلى الكرسي، لا ينزل عنه، بل إنه يتفرع سنويا أو في أضعف الأمور شهرياً! كيف يتفرع (السيد الرئيس)! هذا سؤال ليس صعباً تماماً، إنه مثلاً عندما يجلس على الكرسي يوقع العقاب، بأكبر المنافقين، ليس لأنه لا يحب المنافقين، ولكن لأنه يحب مثل عامة (قوى الشعب العاملة) أن يبدأ من الصفر، صدام حسين مثلاً، بدأ بجريمة قتل في عهد عبدالكريم قاسم، ثم هرب إلى سوريا، ومن هناك الى مصر، حيث أقام لاجئاً سياسياً، يسلي نفسه بالجلوس على المقاهي المنتشرة، حول ميدان الدقي، وفي الصباح له جولات مع متعهدي كاسحات الألغام الرئاسية، في الدول التي ترزح، تحت نير الظلم والاستبداد، والتي بحاجة الى كاسحة ألغام، تعيد الأمور الى نصابها، وقد بدأ صدام، بأخذ دروس منتظمة، من هؤلاء المتعهدين، وعلى رأسهم العاملون في السفارة الأمريكية هناك، ولم يهدأ له بال، حتى أركبوه واحدة من هذه الكاسحات، التي كان صوتها هادئاً وناعماً، في عهد عمه في الصنعة (أحمد حسن البكر) وقليلاً قليلاً، أزاحت هذه الكاسحة، العم الذي أخذ في ليل أظلم، من منزله إلى الخارج أو الداخل، ليموت بهدوء وسكينة.. وحالما استتب الأمر للسيد الرئيس، أصبح يتربع على المنصة في مؤتمرات مجلس قيادة الثورة، ثم ينادي على الخونة، من بين هؤلاء الأعضاء واحداً واحداً، ليعدموا فوراً في غرفة مجاورة، بينما هو يدخن السيجار الكوبي المفتخر، وبينما بقية الأعضاء يجففون عرقهم، خوفا من أن يكون الدور، على واحد منهم.. هذا هو السيد الرئيس، يبدأ أولى خطوات التمدد بطريقة باترة وفظة مطبقاً شعار (اضرب المربوط يخاف الشارد) هذه الوجبة التي كانت على الهواء، ضاعفت قليلاً من دورة الرعب، وإن كانت الدائرة لم تكتمل بعد!
الخطوة التالية الاستيلاء على القطاع العام كله، مع إبقاء بعض الفتافيت، لقوى الشعب العاملة التي انتخبت الرئيس في آخر استفتاء بنسبة 100%.. ومن بوادر هذه الخطوة التي جعلت الشعب يؤيده، أن برنامج المواطن أصبح على النحو التالي: يخرج من بيته صباحاً باتجاه عمله في مدرسة صدام، ومن البيت يمر على سوق صدام المركزي لشراء الأغراض، ثم يقف به التاكسي عند محطة صدام، ومن هناك إلى سكنه في مجمع صدام، وإذا أراد الخروج مساء فإن أمامه: مقهى صدام، ملاهي صدام، ميدان صدام، حدائق صدام، وهكذا كل حركات الناس ومعاشهم وتعليمهم تتم تحت مظلة السيد الرئيس!
والسيد الرئيس لأنه أبوالشعب ومن بعده العالم، فإنه قادر على تغيير لهجته وخطاباته، حسب أحوال الطقس، وهو أيضاً من هذا المنطلق يحرص حرصاً دائماً، عندما يكون في طريقه لافتتاح مشروع زراعي أن يلبس لباساً فلاحياً وهناك تكون منتجات الحقل وماؤه أمامه ليتناول شيئا منها (بعد أن تكون قد جهزت تحت رعاية وعناية طباخ الرئيس خوفاً من الحاقدين على مكتسبات قوى الشعب العاملة) وهذا الرئيس عندما يذهب لرعاية تخريج دفعة عسكرية، فإنه يضع على صدره كافة الرتب والنياشين، أليس هو القائد الأعلى، والمخطط والمنظّر الأعلى؟ أما حفلات التخرج الجامعية، فلابد من وجود ترتيب يتناسب مع هذا الظرف، وغالبا ما يتضمن هذا الترتيب، منحه الدكتوراه الفخرية، مع أن الجميع يعلم أن قطار التعليم، وقف بالسيد الرئيس على المزلقان، فلم يصعد، ولم ينزل، إلا إذا كان ذلك على رقاب العباد.. من قوى الشعب العاملة!!
ولأن كل شيء مباح للسيد الرئيس، فإنه يبدأ حياته معجبا بالسيد (ستالين) الرجل الفظ بشنباته وقوامه وحركاته وطلته غير البهية، وقدرته على استخدام الحصادة، في حصد البشر، بدلا من حصد القمح والأرز.. رغم هذا الإعجاب بالسيد (ستالين) فإن السيد الرئيس، يكره كرها شديداً، من يشاركه هذا الإعجاب، من الشيوعيين الماويين والتروتسكيين والستالينيين والماركسيين وفوقهم الناصريون، ولذلك فإنه يقوم نيابة عن قوى الشعب بحصدهم، أو فرمهم، فليس مسموحاً لهم الخروج من حضرته بأمان، سواء إلى البيت أو الخارج!
والسيد الرئيس حالما يثق بأن الشعب كله أصبح في قبضته، يعمد إلى تنفيذ خططه الصغيرة والمؤثرة، والتي من ضمنها التركيز في الجامعات والمعاهد على تخصصات معينة تمجد الرئيس وفكره وحياته وجهاده في سبيل الشعب، وتمجد كل ما يجعل بلاده ترسانة أسلحة تضم كافة الأنواع من الصواريخ إلى القنابل والغازات، أما الصناعة والزراعة والمبتكرات فإن دورها سوف يأتي لاحقاً.. فلماذا العجلة؟ أما أبناء الرئيس وأعوانه فإن لهم القدح المعلى، حيث من حقهم احتكار صناعات معينة، ومن حقهم بناء سجون وقصور وملاهٍ وغير ذلك من التي يخشى على قوى الشعب العاملة منها!
السيد الرئيس صدام حسين موجود منه في العالم نسخ كثيرة.. أملنا حتى لا تكتسح قوات الغزو أي قوات أن ينظروا حولهم، ويعطوا للشعب الحق في فتح أفواههم، بدلاً من أن يكون ذلك مقصوراً على فتحها عند طبيب الأسنان، ولابد أنهم عندما يعطون الأمان، سوف يقولون ويقولون، وفي قولهم ما قد يجعل السيد الرئيس واحداً منهم.. إنه (عشمهم) الذي يرجون ألا يكون مثل (عشم إبليس في الجنة)!!.
فاكس: 4533173
|