«رسالة.. الباحة في السباحة».. مخطوطة للإمام جلال الدين السيوطي المتوفى عام 911هـ والتي تعتبر الكتاب الوحيد في موضوع السباحة في التراث العربي الإسلامي، والتي تشكل مرجعاً معرفياً في تاريخ رياضة السباحة في المجتمع العربي الإسلامي بعلمها وتعليمها، وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وسباحة صحابته رضوان الله عليهم، وما روي في هذا الشأن من أحاديث نبوية أو أقوال مأثورة.وتوجد النسخة التي يُعتقَد انها الأصلية في مكتبة عارف بالمدينة المنورة.. كما توجد نسخ أخرى لمخطوطة السيوطي هذه في مكتبة برلين، ونسخ أخرى في المكتبة الوطنية بباريس، ومكتبة جامعة برستون نيوجرسي بأمريكا، وفي جامعة دبلن بأيرلندا.
***
يشير السيوطي في مخطوطة «الباحة في السباحة» إلى تعلم الرسول صلى الله عليه وسلم السباحة، فيورد ما ذكره ابن سعد في «الطبقات الكبرى» انه كان صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب، ولما بلغ ست سنوات خرجت به أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار في المدينة المنورة، يزورهم ومعه أم أيمن تحضنه وهم على بعيرين، فنزلت به في دار النابغة، فأقامت به عندهم شهراً، كان رسول الله يذكر أموراً في مقامه ذلك، ونظر إلى الدار فقال: ههنا نزلت بي أمي، وفي هذه الدار قبر أبي عبدالله بن عبدالمطلب، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار.
ويورد السيوطي في مخطوطته ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح في غدير خم، وقال: يسبح كل رجل إلى صاحبه فسبح صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه حتى اعتنقه، وقال: لو كنت متخداً خليلاً حتى ألقى الله لاتخذت أبابكر خليلا ولكنه صاحبي.
ويذكر السيوطي ان المسلمين قد أدركوا أهمية تعليم السباحة لأبنائهم كإحدى المهارات الأساسية في صدر الإسلام وذلك من خلال حث الرسول الكريم وأقوال الصحابة والسلف الصالح في تشجيع تلك الممارسات. وقد أورد العديد من الأحاديث والمنقولات عن رسول الله والتي تؤكد على ذلك، كإيراده لما ورد عن أبي سلمان مولى رافع الذي سأل رسول الله: أللولد حق علينا كحقنا عليهم؟! قال: حق الولد على الوالد ان يعلمه الكتابة والسباحة والرماية وأن يورثه طيباً.
كما تعرض السيوطي إلى اتصاف من يمارس السباحة عند العرب ب«الكامل» حيث يذكر ان أسيد بن حضير رضي الله عنه يكتب العربية في الجاهلية: وكانت الكتابة بالعربية في الجاهلية قليلة، وكان يجيد العوم والرمي.
وكان عدد من كان يكتب من الأوس والخزرج لم يزد عن 11 رجلا ومن هذه القلة القليلة كان العرب يلقبون من جمع بين الكتابة ومعرفة الرمي والسباحة بلقب «الكامل» وكان من أشهر هؤلاء: الكحلة، رائع بن مالك، سعد بن عبادة، عبدالله بن سلول، أوس بن الخولي.
ويذكر الجاحظ: ان الحجاج قال لمعلم ولده: «علِّم ولدي السباحة قبل الكتابة، فإنهم يعيبون من يكتب عنهم، ولا يعيبون من يسبح عنهم».
يورد السيوطي ما ذكره سليمان النخعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ان يكون الرجل سابحا رامياً..
***
ليس المجال هنا لاستعراض كل ما جاء في مخطوطة السيوطي، فحيز المقالة لا يسمح بذلك، ولكن يبقى القصد من إيراد هذه المخطوطة أمرين: الأول التأكيد على ثراء تراثنا بالألعاب والنشاطات الرياضية ممارسة ومعرفة ومعلومة لم تتواجد في كثير من المجتمعات الإنسانية الأخرى، حتى لا تكاد تكون هناك لعبة رياضية حديثة ومعاصرة إلا ويكون «جذر» نشوئها ومعرفة الإنسانية بها من أرض بلادنا التي وهبها الله كنزاً تراثياً وتاريخاً خصباً.. يحسن بنا ان نعرفه.. ونكتشفه.. ونفتخر به.. ونُعرِّف الآخرين به..
سلبية تفاعل المدرسة مع دورها الرياضي
لهذا سيأتي السؤال البديهي في هذا السياق: ما هو حال رياضة السباحة في مجتمعنا السعودي الراهن؟!
ما هو حجم تواجدها، وانتشارها؟
كيف نمتلك فرص ومناخ ممارستها.. وعلى من تقع مسؤولية ذلك؟!
ما هو دور المدرسة في كل ذلك؟ وهي أي المدرسة التي تقع عليها المسؤولية الرئيسية والأهم..
لذا يبقى السؤال.. عائماً: لماذا تخلو المدرسة من المسبح؟! ومن المسؤول عن ذلك؟ وإلى متى؟
لن أزيد من استفهامات العوم تلك التي تجيد فن السباحة وتلك التي لا تدري عنها!
سأتنبه ختاماً، إلى ضرورة توجيه تحية تقدير لاتحاد السباحة وعلى رأسه الأمير المتعلم والمتحمس عبدالعزيز بن فهد بن عبدالله الذي يبذل واتحاد اللعبة جهداً وحماساً يحتاج إلى التفاف الجميع حواليه، وأن يجد العون والسند.. من المدرسة التي آن الأوان في ان تتصدى لدور اجتماعي ورياضي لمجتمعها الأحوج إلى تضافر الجهود.. من خلال عمل ورؤية ومواكبة حضارية مستنيرة.. لا تعيش في ظل توجه بوصلة تقليدية تتجه إلى الماضي ونواميس وأفق قناعاته المتوارثة.
للإحاطة.. لا غير!
* في فنلندا، ادخلت التربية البدنية كمادة رئيسية في المدارس عام 1843م.. أي قبل 160 عاماً!!
ماذا عنا؟ الذي أعرفه ان هناك مدارس.. لا تعرف ولا تعترف بشيء اسمه تربية بدنية.. أو ما يمت للرياضة بصلة.. بل ترى ان الرياضة ترف وهدر للوقت والجهد.. وعبث!
* افتقاد الحركة الرياضية السعودية لمركز للأبحاث والدراسات.. معيبة ونقص.. ما يجب ان تظل موجودة.. ففي زمن العلم وحقبة المعلومة والعولمة.. افتقاد مثل هذه المنشآت العلمية والبحثية.. دلالة تخلف.. وممارسة للارتجالية والتقليدية في التصدي والتعامل مع الظواهر والأحداث والبرامج وتسيير الأمور..
* يتساءل مدرج الكرة عن مباراة المنتخب الأول للكرة مع منتخب إمارة ليخشاتين.. مباراة ودية.. وهي التي اعتذر عن اللعب معها أكثر من 25 منتخبا.. السؤال هنا ما قيمة اقامة المباراة والعائد منها على الكرة السعودية وعلى برنامج المنتخب الأول الذي سنَّ سنة جديدة عجيبة في برنامجه الإعدادي.. الذي لا يدري مدرج الكرة السعودي لأية بطولة أو مناسبة.. ولكن أكثر ما أضحك المدرج ما تتداوله الصحافة من ان هذا الإعداد هو لمونديال 2006م..
السؤال: الإعداد لهذا المونديال.. ألا يفترض ان يبدأ من برامج الإعداد لمنتخبات الناشئين والشباب.. لمناسبة وحدث بعيد المدى؟ لا تتوقعوا اجابة لدي، فأنا من ضمن ذلك المدرج الذي لا حول له ولا قوة إلا.. الاكتفاء بالمشاهدة.. والسماع.. وممارسة الضحك.. الصامت والخجول والخائف على حال كرة بلاده التي بدأت في الذبول.. أو هكذا يخشى..أقصد من ذلك ان نقرن أسماء المراكز الرياضية بالرواد الأوائل والمعاصرين، حفظاً لقيمهم، وشكراً لمساهماتهم وعرفاناً بريادتهم!!
|