Tuesday 29th april,2003 11170العدد الثلاثاء 27 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أمة ضائعة أمة ضائعة
جيمس كارول ( * )

حتى قبل أن نعرف ما هي النتائج النهائية لتلك الحرب على العراق، مصير صدام؟ أسلحة الدمار الشامل؟ استقرار العراق؟ الخسائر بين المدنيين؟ سوريا؟، هناك إجماع للآراء في داخل الولايات المتحدة قد بدأ يتبلور حول رؤية جديدة راديكالية لمعنى«أمريكا» حول العالم.
بتربعها على قمة نظام أحادي مفروض على العالم، فإن المبدأ الجديد للولايات المتحدة هو أن أمريكا لا تجلس فقط في مكان بعيد عن الدول الأخرى، ولكنها تجلس فوقهم في مرتبة أعلى منهم، وقد تحولت الهتافات العنصرية الساذجة من الأطفال في مباريات الكرة «نحن الأفضل!» إلى استراتيجية واقعية، وقد تم استبدال النظم الديموقراطية المثالية للولايات المتحدة بالقوة العسكرية، كمصدر أساسي للنفوذ الأمريكي.
فالقوات المسلحة الأمريكية التي كانت ترى في السابق أن وظيفتها الأساسية هي الدفاع، أصبحت الآن قوات هجومية بلا مبرر، وأصبح العدوان وقائيا، وتم تقليص نطاق الدبلوماسية لتصبح مجرد تمهيد للحرب، والغرض من كل ذلك ليس مجرد الهيمنة الدولية، ولكن نظام عالمي آخر، هذا النظام العالمي في الحقبة الجديدة الذي يتطلب هيمنة الولايات المتحدة هو أحد التداعيات غير المقصودة لتفضيل خيار القوة الأمريكي، وأن مبدأ «نحن الأفضل!» سوف يجعل العالم أكثر أمانا للجميع، ولكن فقط إذا ما قبلوا ذلك المبدأ.
فإذا ما ضربتنا مثل تلك الأشياء المفزعة مثل انهيار البرجين أو القناصة الذين قاموا باصطياد الغرباء، فهل يستطيع المرء أن يثق بشيء آخر غير القوة المطلقة المهيمنة؟ وما هي الاستراتيجيات التي ينصح بها منتقدو المبدأ الأمريكي الجديد الذي يفرض الأحادية القطبية فرضا، في مواجهة ذلك؟ وإذا ما تعلمنا من الماضي، فيمكنني أن أفكر في بضعة أشياء:
- منتقدو الطموحات الأمريكية الجديدة بإنشاء إمبراطورية يجب ألا يترددوا في القول بأن المبادئ الأخلاقية الأساسية قد انتهكت، مثل انتهاك الولايات المتحدة لاتفاقية جنيف لأسرى الحرب المحتجزين في كوبا، وكذلك من الخطأ أن نشن حربا هجومية مثلما تفعل الولايات المتحدة الآن بصورة موسعة.
- أن نكون متشككين فيما يتعلق بمسائل «الأمن الداخلي»، والتقاليد الأمريكية تفضل المخاطر المتعلقة بالحرية على المخاطر المتعلقة بتحكم الدولة، وحالةالأمن الداخلي الجديدة في الولايات المتحدة تهدد بوجود حالة من نوع الهاجس الأمني الداخلي المفرط الذي تلا الحرب العالمية الثانية.
- يجب أن نشكك في السياسة الخارجية المعتمدة على مبدأ «أسوأ الاحتمالات»، ففي خلال الحرب الباردة قامت الولايات المتحدة بعمل تقديرات مخيفة حول قدرات الاتحاد السوفيتي ونواياه، والتي ثبت أنها كانت محض أوهام، تلك التقديرات كانت هي التي شكلت السياسة الخارجية في ذلك الوقت، فقد قام عملاء المخابرات من ذوي الرتب المنخفضة بتقديم تقديرات دورية كانت كلها محض احتمالات من تهديدات عدائية، والتي كانت ترفع بالتالي إلى الرتب الأعلى من خلال سلسلة الرتب لتصبح في النهاية حقائق مؤكدة، وكانت نتيجة ذلك هو التضخيم في قدرة القوات السوفيتية في بداية الحرب الباردة، والتضخيم في إمكانات وقدرات الصواريخ الروسية في منتصف الحرب الباردة، وفي نهايتها كان التضخيم في القوة السياسية للاتحادالسوفيتي، مما أدى بقيادة الولايات المتحدة إلى سباق في برامج التسلح النووي والذي لا تزال تأثيراته تهدد العالم حتى اليوم، ومبدأ «أسوأ الاحتمالات» فيما يتعلق بالاتحاد السوفيتي لم يكن له وجود إلا في خيال واشنطن، مثلما يبدو الآن أن مبدأ «أسوأ الاحتمالات» بالنسبة لصدام يقبع أيضا في المكان ذاته من أوهام واشنطن، والأمة التي يقودها الخوف بتلك الصورة من المؤكد أنها دائما سوف تعثر على ما تخاف منه، والاحتفال بمحاربينا الشبان وتصويرهم، وتمجيد أسرى الحرب الأمريكيين المطلق سراحهم، ومراسم الاحتفال البطولي لقتلى الحرب، كل ذلك يعد استغلالا تاما للرجال والنساء الذين يرتدون البدلة العسكرية، فقد تم إجبارهم على الدخول في حرب مشكوك فيها في بادئ الأمر، ثم يتم الآن وضعهم في صورة أبطال الأساطير وكأنه الهدف الأساسي من تلك الحرب بعد نهايتها، كما لو كانت الولايات المتحدة قد ذهبت للعراق ليس للقبض على صدام حسين، أو لإبطال أسلحة الدمار الشامل، أو لإنقاذ الشعب العراقي.

(*) بوسطن جلوب

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved