* إعداد - قسم الترجمة :
المشاركون في الندوة
شبلي تلحمي: باحث متعاون مع معهد بروكنجز وخبير في الشئون السياسية واستاذ كرسي السادات للسلام والتنمية بجامعة ميريلاند الأمريكية.
سيمون براون:استاذ التعاون الدولي في جامعة برانيدز الأمريكية ومؤلف كتاب وهم السيطرة.
روبيرتا كوهين:باحثة في الشئون السياسية ومدير مشارك في أحد برامج معهد بروكنجز البحثية مارتن إنديك:
مدير مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز وسفير أمريكي سابق.
إيريك شوارتز:باحث في مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة ادار الندوة:
كينث بولاك باحث كبير في دراسات السياسة الخارجية الأمريكية ومدير إدارة الأبحاث في مركز سابان لسساسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز.
الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق والتي تعتبر اولى حروب القرن الواحد والعشرين سيكون لها انعكاساتها على منطقة الشرق الاوسط على وجه خاص وعلى العلاقات الدولية بوجه عام، فغبار الحرب في العراق لم ينقشع بعد ولاتزال الفوضى هي سيدة الموقف هناك ولا احد يستطيع التنبؤ بما ستحمله الايام القادمة للعراق والمنطقة العربية.
وكما توقع الكثير من المحللين قبل انطلاق الرصاصة الاولى في الحرب ان شن الحرب وتغيير النظام الديكتاتوري في العراق سيكون هو الجزء الاسهل، بينما ستكون مرحلة البحث عن السلام والاستقرار واعادة الاعمار هي المرحلة الاكثر صعوبة وتعقيدا. معهد بروكنجز للدراسات في الولايات المتحدة نظم مؤخرا حلقة نقاش حول الوضع الحالي في العراق وطرح على بساط البحث العديد من القضايا ذات الصلة بما حدث في العراق مثل امكانية التحول الديموقراطي في هذا البلد وردود فعل الدول الدولية والعربية حول السياسة الامريكية في المنطقة وامكانية قيام الولايات بشن حروب أخرى في الشرق الاوسط، وشارك في النقاش عدد من الاكاديميين واساتذة العلوم السياسية بمعهد بروكنجز وادارها كينيث بولاك وفيما يلي ابرز الافكار التي طرحت للنقاش:
كينيث بولاك:
أرحب بكم جميعا في حلقة جديدة من سلسلة حلقاتنا النقاشية حول العراق ولنبدأ بالسيدة روبيرتا - فهل تتفضلين
بإعطائنا فكرة سريعة عن الموقف الأمني الراهن في العراق ومدى تأثيره على الجهود الإنسانية وعمليات إعادة إعمار ما دمرته الحرب هناك؟.
روبيرتا كوهين
سوف أقدم بعض التعليقات عن الموقف الأمني في العراق وتأثيره على الجهود الإنسانية، أبدأ بالقول بأن التفوق العسكري الأمريكي الكاسح وغير المسبوق أثناء الحرب لم يجد ما يناسبه من أداء على نفس المستوى فيما يتعلق بالجهود الإنسانية، والحقيقة أن فشل القوات الأمريكية في وقف أعمال السلب والنهب التي شهدتها المدن العراقية وتدمير الكثير من المنشآت العامة والمؤسسات الخدمية يمثل عقبة كبيرة أمام جهود التنمية الإنسانية وإعادة الإعمار والتي تعد ضرورية جدا لجهود إعادة بناء العراق وقد تعرض القطاع الصحي لأضرار بالغة، ففي أيام السلب والنهب التي أعقبت انهيار نظام الحكم في بغداد تعرضت أغلب المستشفيات لنهب الأدوية والمعدات كما تم اختطاف سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر، كما تم نهب مخازن الأدوية والمعدات الطبية المملوكة لمنظمة الصحة العالمية بالكامل، أيضا تمت سرقة الأغذية من المخازن التابعة لبرنامج الغذاء العالمي، وتم نهب وتدمير أغلب إن لم يكن كل مكاتب وكالات الأمم المتحدة المختلفة، وتعرضت أغلب محطات توليدالكهرباء وشبكات أنابيب المياه للتخريب المتعمد على الرغم من النقص الحاد الطبيعي الذي تعاني منه أغلب المدن العراقية بالنسبة لإمدادات المياه والكهرباء، وعلى الرغم من أن تحطيم تماثيل صدام حسين في المدن العراقية كان متوقعا، فقد كان في مقدور القوات الأمريكية وقف عمليات تدمير منشآت البنية الأساسيةالتي تعرضت للتخريب، وقد ناشدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قوات التحالف بالنهوض بمسئوليتها كقوة احتلال وفقا للاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيف التي تحدد مسئوليات قوات الاحتلال، وهناك العديد من الأسباب التي تم طرحها لتفسير هذا الأداء الضعيف من جانب قوات التحالف في عمليات حفظ النظام والأمن بالمدن العراقية وحماية المدنيين ومواجهة أعمال السلب والنهب والتخريب.
ومن هذه الأسباب عدم كفاية أعداد القوات الأمريكية والبريطانية في المدن العراقية، والتحول السريع من القتال إلى حفظ السلام بسبب الانهيار المفاجئ والسريع لنظام الحكم العراقي، والخوف من أن يؤدي تصرف القوات كقوة احتلال إلى إشعال المقاومة الشعبية لوجودها، والحقيقة أنه يجب فهم الموقف العراقي ليس فقط من أجل استقرار المستقبل في العراق ولكن أيضا من أجل مواقف ما بعد الصراع في أي نزاعات أخرى قد تتورط فيها الولايات المتحدة فيما بعد، فكما حدث ويحدث في أفغانستان فإن غياب الأمن هناك مازال هو العقبة الأساسية في سبيل جهود إعادة البناء وتطوير هذا البلد، وترفض الولايات المتحدة منذ وقت طويل دعم قوات حفظ الأمن الدولية المنتشرة في العاصمة الأفغانية كابول لحماية المدنيين الأفغان في مختلف أنحاء البلاد، ولكن في العراق بدأت بالفعل الولايات المتحدة الأمريكية التحرك في اتجاه إعادة الأمن للبلاد من خلال إعادة تجميع عناصر الشرطة المحلية العراقية والاستعانة بعناصر من الشرطة الأمريكية والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي من أجل حفظ الأمن والسلام في العراق، ولكن عنصر الوقت هام جدا حتى تثمر هذه الجهود، فالفراغ الأمني يسمح بنمو أكثر العناصر راديكالية ويمنحها الفرصة لتأكيد وجودها، وإذا لم تكن أمريكا قادرة على القيام بهذه المهمة بنفسها ألا يجب اقتراح الاستعانة بقوات شرطة مدنية دولية لمواجهة تطورات الموقف بعد الحرب؟
في العراق يمثل توفير المناخ الآمن أحد أهم القضايا الخاصة بالوضع الإنساني هناك والمناخ الآمن يعني تأمين الطرق وحماية المخازن والمتاجر والمنشآت الصحية من اللصوص وجماعات السلب والنهب المنظم كما يعني حرية المواطنين في الانتقال الآمن بين وسط وجنوب البلاد ففي الحادي والعشرين من إبريل تعرضت شاحنات تحمل أغذية تابعة لبرنامج الغذاءالعالمي وقادمة من الأردن إلى العراق تعرضت لإشعال النيران فيها بعد نهبها على بعد مائة كيلو متر فقط جنوب العاصمة العراقية بغداد.
ويحتاج برنامج الغذاءإلى البدء في نقل الإمدادات الغذائية للعراق بصورة كبيرة خلال الأيام القليلة الحالية حيث ستواجه عمليات نقل هذه الإمدادات صعوبات كبيرة بسبب المناخ في مايو.
وتصل احتياجات البرنامج العالمي إلى توفير 480 ألف طن من الأغذية شهريا على الأقل لتلبية احتياجات أكثر من 16 مليون عراقي يعتمدون على ما يقدمه هذاالبرنامج لهم من أغذية والحقيقة أن الأمر لا يتوقف عند ضرورة توفير مخازن آمنة لتخزين مثل هذه الأغذية ولكن هناك حاجة ملحة أيضا من أجل توفير نظام لتوزيع هذه الأغذية وتوصيلها للمحتاجين في مختلف أنحاء العراق.
وقد كان بالعراق قبل بدء الحرب الأمريكية أكثر من 44 ألف نقطة توزيع مواد تموينية في مختلف المدن العراقية في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء ولكن أغلب هذه النقاط والمراكز لم يعد لها وجود ولذلك فإن إعادة تفعيل هذا النظام يمثل ضرورة حيوية للشعب العراقي ولكن المشكلة أن أغلب مناطق وسط وجنوب العراق مازالت غير آمنة بالنسبة لعمال منظمات الإغاثة الدولية.
كما أن موظفي وكالات الأمم المتحدة وغيرها من منظمات الاغاثة الدولية لم تحصل على الضوء الأخضر لكي تنتقل إلى هذه المناطق وممارسة أعمالها ويتجنب موظفو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية السفر إلى وسط العراق كما تفرض القوات الأمريكية قيودا صارمة على تحركات المنظمات غير الحكومية على الأرض في العراق، والحقيقة أن العراقيين لن يرحبوا بالوجود الأمريكي في بلادهم إذا لم تكن هناك استجابة مناسبة للموقف الإنساني الصعب بالنسبة لهم.
الصراعات العرقية
المشكلة الأمنية الثانية التي أريد توضيحها ولفت الانتباه إليها هي دور القوات الأمريكية كقوات احتلال في منع نشوب أي صراعات عرقية أو طائفية في العراق بين العرب والأكراد والتركمان خاصة في الشمال حيث مدينتي الموصل وكركوك وحيث يوجد أكثر من أربعين في المائة من البترول العراقي، فالوجود العسكري الأمريكي في هذه المناطق محدود جدا.
والحقيقة أن هذه القوات لم تتدخل ليس فقط لوقف أعمال النهب والسلب ولكن أيضا لم تتدخل لوقف عمليات الطرد اليومية للعرب من كركوك والموصل من جانب المسلحين الأكراد.
ومن المعروف أن نظام حكم صدام حسين والحكومات السابقة له نفى عشرات الآلاف من الأكراد وأعدادا أقل من التركمان والأشوريين من هذه المناطق الغنية بالبترول في إطار حملات منظمة لتعريب هذه المناطق، ورغم ذلك فقد كان هناك أمل في معالجة هذه المشكلة بطريقة ما تتيح عودة هؤلاءالأكراد إلى ديارهم، وإقامة كيان رسمي يضم كل العرقيات العراقية يتيح للأكراد والتركمان وغيرهم من العرقيات العودة واسترداد ممتلكاتهم وفي نفس الوقت يضمن المصالح العادلة لأكثر من مائتي ألف عربي يعيشون في منطقة كركوك، وعلى الرغم من أن الزعماء الأكراد والمسئولين الأمريكيين يؤكدون أن كل شيء سيتقرر وفقا للقانون فإن الحقائق على الأرض بدأت تفرض نفسها.
فقد فرض الأكراد بالفعل سيطرتهم على كركوك وبدأت الصحافة في تركيا تتحدث عن مشكلات بين الأكراد والتركمان. وتقول الصحافة التركية أن الأكراد يدمرون وثائق ملكية الممتلكات التركمانية حتى يسهل تجريدها من التركمان في حين ينفي الأكراد هذا.
وهنا تظهر الأمم المتحدة كمرشح مؤهل بقوة للمساعدة في معالجة مثل هذه المواقف، فالمنظمة الدولية تتمتع بخبرة كبيرة في عمليات إعادة اللاجئين وتسكينهم بعد الصراعات وتشكيل اللجان التي تتولى تسوية النزاعات حول الممتلكات.
إذن يمكن القول بأن حفظ النظام في العراق وإقامة حكم القانون يمثل عنصرا حيويا لنجاح أي جهود أمريكية لإعادة بناء ما دمرته الحرب هناك التي تتولاها الولايات المتحدة وعلى الرغم من البداية السيئة في هذا المجال فمازال الأمل قائما في إصلاح الوضع مرة أخرى من خلال التعاون مع الأطراف الدولية الأخرى للنهوض بهذا العبء.
كينيث بولاك
ننتقل الآن إلى إريك شوارتز والذي تولى الإشراف على التقرير الصادر عن مجلس العلاقات الخارجية وهو التقرير الذي أثار قدرا كبيرا من الاهتمام واعتقد أنه سيكون من المفيد جدا الاستماع منه إلى رأيه في آداء الإدارة الأمريكية في العراق.
- اريك شوارتز:
لقد كنت بالفعل مشرفا على إصدار تقرير عن مجلس العلاقات الخارجية وقد كان هذا التقرير أحد الأعمال المتميزة التي أصدرها المجلس ودعوني أتحدث قليلا عن هذا التقرير ثم انتقل بعد ذلك إلى تقييم أداء الإدارة الأمريكية وعلاقة ذلك بالنتائج التي انتهى إليها التقرير.
ضمت اللجنة التي أعدت التقرير مجموعة من المتخصصين في شئون الشرق الأوسط ومنطقة الخليج والدبلوماسية والأمن والقانون والاقتصاد وإعادة البناء والطاقة وغير ذلك برئاسة توم بيكرنج وجيمس شليزنجر وهناك أربعة أفكار رئيسية في هذا التقرير الذي رعاه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.
أولا أن هذا التقرير صدر عن فريق عمل مستقل تماما في معالجته لقضية شديدة الحيوية تتعلق بالبقاء الأمريكي في العراق بعد الحرب.
ثانيا يؤكد التقريرالحاجة إلى توفير الأمن في العراق.
ثالثا يؤكد التقرير اهمية أن تتقاسم الولايات المتحدة عبء تحقيق السلام والاستقرار في العراق بعد الحرب مع المجتمع الدولي.
وأخيرا ضرورة إشراك العراقيين في صياغة أي نظام سياسي في بلادهم. كما تناول التقرير موضوعات مثل سيادة القانون والأمن الإقليمي ودور البترول وعدد من الموضوعات الأخرى.
مستقبل العراق: أما عن الموضوع الأول في التقرير الذي يتعلق بمدى التزام الإدارة الأمريكية بمستقبل العراق فنحن نوصي إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بضرورة الالتزام بمعالجة القضايا بعد الحرب وذلك من خلال توضيح الموقف تماما أمام الكونجرس والشعب الأمريكي والشعب العراقي وكذلك الإعلان عن خطة متعددة السنوات وبميزانية تقدر بعدة مليارات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب وتحقيق الاستقرار والتقدم بطلب رسمي للكونجرس لدعم هذه الخطة ونعتقد أن مثل هذا الإعلان يمثل أهمية كبيرة من أجل منح العراقيين الثقة في جدية الالتزام الأمريكي بالمساهمة الفعالة في تطوير العراق كما أن هذا سوف يمنح الوكالات والشركات الأمريكية المختلفة الثقة لوضع خطط للعمل في العراق لفترة طويلة كما أنه من المهم أن يشرح الرئيس بوش للشعب الأمريكي المصالح الأمريكية في العراق وذلك حتي يقتنع كل من الشعب والكونجرس بضرورة تحمل تكاليف الاستقرار والسلام وإعادة البناء في العراق على مدى السنوات القادمة بعد أن يتحول اهتمام المسئولين في الإدارة الأمريكية نحو أزمات أخرى، علاوة على ذلك فنحن نشعر بأهمية اقتناع العراقيين بأن الولايات المتحدة لن تترك العراق قبل استكمال مهامها الحيوية، كما يجب أن يدرك الأمريكيون أن الثمن سيكون باهظا إذا ما أرادت أمريكا أن تنجز عملها في العراق بالطريقة الصحيحة. وقد يصل هذا الثمن إلى أكثر من عشرين مليار دولار ويستمر العمل لعدة سنوات، وأنا أقول قد يصل لأنه من المحتمل جدا أن تزيد التكاليف عن هذا الرقم بصورة كبيرة جدا، وأنا أعتقد انه سيكون أكبر من ذلك.
البترول العراقي
كم يشير التقرير إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نقول ان البترول العراقي قد لا يساهم كثيرا في تمويل جهود إعادة الإعمار في العراق كما أن إيرادات البترول لا تمكن أمريكا من تجنب تحمل جزء كبير من التكاليف، كما توصل التقرير إلى نتيجة مفادها أن نجاح القوات الأمريكية في كسب معركة السلام يتوقف بدرجة كبيرة على نجاحها في توفير الأمن والحماية للمدنيين العراقيين، والحقيقة المعترف بها أنه في ظل الحرب وفي الفترة التالية مباشرة للحرب من الطبيعي أن يواجه العراقيون مخاطر كبيرة ولكن هذا لا يمنع ضرورة نشر القوات الأمريكية للحفاظ على الأمن العام في العراق وتوفير المساعدات الإنسانية، ويمكن الاعتراف بأن طبيعة انتشار القوات في وقت الحرب قد يحد من قدرة القوات الأمريكية على إعادة الانتشار السريع لتوفير الأمن بعد انتهاء الحرب خاصة وأن ذلك يحتاج إلى أعداد أكبرمن القوات وهذا أمر سوف نناقشه ولكن ألا يعد هذا نوعا من القصور في التخطيط لهذه الحرب. ما أردانا قوله في التقرير هو أنه لا يمكن تحقيق أي من الأهداف الأمريكية في العراق في ظل غياب الأمن العام، ولذلك فإنه إذا ما فشلت الولايات المتحدة في معالجة هذه القضية بكفاءة فإنها سوف تغذي الاعتقاد السائد حاليا بأن الغزو الأمريكي للعراق لم يؤد إلا إلى زيادة معاناة الشعب العراقي.
تقاسم الاعباء
النتيجة الرئيسية الثالثة التي توصل لها التقرير هي ضرورة تقاسم أعباء مرحلة ما بعد الحرب وإعادة بناء ما دمرته هذه الحرب في العراق مع المجتمع الدولي، ويطالب التقرير إدارة الرئيس بوش بضرورة الإسراع بإشراك المنظمات الدولية والحكومات الاخرى في هذه الجهود لعدة اسباب رئيسية:
أولا أن هذا سيخفف الحمل عن القدرات المدنية والعسكرية الأمريكية كما أن هذا يفند الاتهام القائل بأن أمريكا تسعى إلى السيطرة على العراق، كما أوصى التقرير بضرورة استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي تكرس القيادة الأمريكية للجهود الدولية في العراق سواء فيما يتعلق بالجهود الأمنية أو في المرحلة الانتقالية وإقامة إدارة مدنية لإدارة الشئون العراقية بعد الحرب، علاوة على أن ذلك سوف يعطي المجتمع الدولي دورا في عملية صناعة القرار فيما يتعلق بالقضايا الحيوية للعراق من المساعدات الإنسانية إلى اعادة البناء والبترول وإدارة العملية الانتقالية التي ستقود إلى إقامة حكومة ديموقراطية جديدة في العراق، وأخيرا ضرروة إشراك العراقيين في كل مراحل عملية التحول والانتقال إلى نظام سياسي جديد. نحن نشعر بضرورة تفادي نظرة العالم إلى أمريكا باعتبارها تحاول السيطرة على العملية الانتقالية وكذلك ضرورة الإسراع بتكريس قيادة عراقية في أقرب وقت ممكن، ونستطيع أن نتحدث عن مدى القلق من ناحية وطريقة إدارة هذا القلق من ناحية أخرى.
مؤتمر للامن الاقليمي
ويتضمن التقرير ثلاثين توصية للإدارة الأمريكية في هذا المجال وغيره من المجالات، وسوف أتحدث عن توصية واحدة من هذه التوصيات ارى أنها مناسبة تماما لموضوع هذه الحلقة النقاشية، تتعلق هذه التوصية بضرورة تفكير الإدارة الأمريكية في تشجيع عقد مؤتمر للأمن الإقليمي يهدف إلى اختبار إجراءات بناء الثقة وضمانات الأمن الخارجي ومنع انتشار الأسلحة في هذه المنطقة من العالم كجزء أساسي من الدور الهام الذي تلعبه الدول المحيطة بالعراق في مستقبل العراق سواء كان هذا الدور إيجابيا أو سلبيا، والآن انتقل للحديث عن تقييمي لأداء إدارة الرئيس بوش، وحديثي الآن هو حديث مسئول سابق لا يتحمل أي مسئولية ولكنه قادر على أن يقول للمسئولين الحاليين أخطاءهم والحقيقة أن هناك جوانب إيجابية وأخرى سلبية في هذه الإدارة، ولنبدأ بالحديث عن الجانب الإيجابي، فقد تخلصت الولايات المتحدة الأمريكية من صدام حسين ومنحت الشعب العراقي الأمل في مستقبل مشرق، وما نعرفه عن جرائم صدام حسين وقتله لمئات الالاف من أبناء شعبه وعمليات التعذيب المروعة وغير ذلك من الانتهاكات مفزع بما فيه الكفاية، واعتقد أن المعلومات التي ستكشف عنها الأيام والشهور والسنوات القادمة سوف تخبرنا بالمزيد والمزيد من هذه الجرائم.
ثانيا قوة وإصرار والتزام الأمريكيين بتحمل مسئولية جهود إعادة إعمار ما دمرته الحرب تعد نقطة إيجابية جدا بغض النظر عما يراه البعض من قصور بسبب منح هذه المسئولية إلى وزارة الدفاع وليس لوزارة الخارجية.
كما أن الإدارةالأمريكية تحاول بقوة حشد التأييد الدولي لجهودها في العراق بعد الحرب وفي نفس الوقت فإن الإدارة الأمريكية وكما تقول «روبيرتا» كانت مستعدة لكسب الحرب أكثر من استعدادها لكسب السلام.
والحقيقة أن أداء الأمريكيين في مرحلة ما بعد العمليات العسكرية كان ضعيفا جدا وهنا يمكن أن يكون الثمن الذي ستدفعه أمريكا نتيجة لهذا القصور فادحا جدا.
أعتقد أن أعمال السلب والنهب وغياب النظام التي شهدتها الفترة التي أعقبت انتهاء العمليات العسكرية سيكون لها تأثير كبير على مجمل الأهداف الأمريكية في العراق وعلى الرغم من قدرة أمريكا على معالجة هذه الآثار إلا أنها ستكون مكلفة.
ثانيا حالة الغموض التي ارتبطت بالتصريحات الأمريكية المتناقضة بشأن فترة بقاء القوات الأمريكية في العراق والتي قال البعض أنها قد لا تزيد عن شهور أدت إلى تزايد الشكوك في مدى التزام الأمريكيين بتعهداتهم بشأن إعادة بناء ما دمرته الحرب في العراق.
وإذا كنتم قد تابعتم الصحف في الأيام الماضية فالمؤكد أنكم قرأتم هذا التصريح لأحد عناصر المعارضة العراقية في الخارج تعليقا على جولة الحاكم الإداري الأمريكي للعراق الجنرال المتقاعد جاي جارنر والذي قال فيه إذا كان من المفترض أن الأمريكيين جاءوا إلى العراق لمساعداتنا فلماذا لم يشكلوا حكومة لحكم البلاد؟ وبطريقة ساخرة قال عراقي آخر يعمل مديرا عاما في إحدى الشركات ومرشح لتولي وزارة البترول العراقية أن العراقيين لديهم خبرة طويلة في الانقلابات العسكرية وهذا أمر سيئ جدا. وإذا سألت أي عقيد في الجيش العراقي عما يفعله عندما يقوم بانقلاب فسيقول لك أنه يبدأ بالذهاب إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون ومعه خمسة بيانات جاهزة.
البيان الأول يتحدث عن الإطاحة بالحكومة القائمة، البيان الثاني يتضمن الحكومة الجديدة أما الثالث فيتضمن أسماء المسئولين الذين ستتم إحالتهم للتقاعد والرابع يطالب كل الموظفين بالعودة إلى أعمالهم ابتداء من الغد والأخير يعلن فرض حظر التجول.
وهذا السيناريو الذي كان المفترض أن تقوم به القوات الأمريكية ليس عودة للماضي ولكنه كما أعتقد محاولة للسيطرة على حالة القلق والغموض ومنع تداعيات هذه الحالة من التأثير على الأهداف الأساسية لأمريكا ولذلك فإن توصياتي للرئيس بوش في هذا المجال هي ضرورة التأكيد على عدم الحديث عن التزام أمريكا تجاه العراق لعدة شهور والحديث للشعب الأمريكي وبدرجة كبيرة من التفصيل عن ضخامة الالتزام الأمريكي والتحرك بسرعة نحو توفير الأمن العام للعراقيين والإعلان بوضوح عن تحمل القوات الأمريكية مسئولية توفير هذا الأمن حتى يتم إقامة قوة شرطة عراقية أو دولية قادرة على النهوض بهذا العبء.
وفي النهاية فإن الإدارة الأمريكية مطالبة بالتحرك من أجل إزالة الغموض في موقفها تجاه دور الأمم المتحدة في العراق والتحرك السريع من أجل حشد تأييد المنظمة الدولية لجهود إعادة البناء في العراق، واعتقد أن الأمريكيين يمكنهم دراسة النموذج الأفغاني والذي لم تضحي فيه الولايات المتحدة بنفوذها ولكنها استطاعت في نفس الوقت إشراك الأمم المتحدة في عملية تشكيل المؤسسات الجديدة التي جعلت من مؤسسات المرحلة الانتقالية في أفغانستان أكثر شرعية في نظر العديد من الحكومات وهو ما سهل الحصول على الدعم الدولي اللازم لتحقيق الأهداف الأمريكية.
الحقيقة أن هذه آخر مرة أتقدم فيها بتوصيات إلى الإدارة الأمريكية في هذاالموضوع لأنني لا أحب أن أقدم توصيات لا تتفق مع الحقائق التي تجري على الأرض وبالفعل فمن الواضح أن الإدارة الأمريكية تسير في عكس الاتجاه الذي تسير فيه توصياتي وهو ما يجعل توصياتي تلك بلا معنى، ورغم ذلك فأنا اعتقد أن هذه التوصيات تحمل بعض الأهمية في ظل حالة الغموض والشكوك التي تحيط بداوفع الإدارةالأمريكية.
يتبع غداً
|