من الناس مَنْ إن أمنته ائتمن على ما أمَّنتْه عليه...
ومنهم من تأمنه دون أن تؤمّنه...
وكلاهما مصدر أمان لك في الحياة... إن قُدِّر لك ملاقاتهما في هذه الحياة...
لأنَّهما نادران... لا يُريان في معمعة الحياة بسواهما...
وهناك السواد الأعظم من الناس...
يتهرَّب من الأمانة...
لا يقدّمها... ولا يتسلَّمها...
وهذان حياديان يعيشان الحياة لأنفسهما...
لا تصفو بهما الحياة ولا تتكدَّر...
تراهم ينتشرون في كلِّ مكان... فلا يحلو لك التقرُّب منهم، كما لا تستطيع الهرب عنهم...
وهناك من لا تأمنْه... ولا تؤمّنه...
فلا هو قادر على أن يؤدي الأمانة إن حُمّلها، ولا هو مُقْدّمِ الأمن إن قُدِّرلك لقاؤه...
وهؤلاء يملؤون منافذ الحياة...
يتقلّبون مع ألوان المواسم وطقوسها...، ويتبدَّلون مع مواقف الحياة وتقلُّباتها،
يطبلون هنا، ويلتصقون هناك، يغيرون عليك كلَّما هبَّت عاصفة، ويهربون منك كلّما حلّ حق...، تتكدَّر بهم الحياة، ولا تصفو بهم المجالس، ولا يطمئن إليهم جار، ولا صاحب، لا رفيق، ولا مرافق...
هؤلاء غُثاء اكتظَّت بهم دروب الحياة...
لكنّهم أكثر الناس لمعاناً، وأشدَّهم ظهوراً، وأكثرهم بروزاً، وأوسعهم انتشاراً،...
والسؤال يبقى:
لماذا يكثر الغثاء، وتمتلىء جعبة الحياة به؟
وكيف لا يكون الإنسان مصدر أمان ومؤدياً للأمانة، وفاعلاً للائتمان دون أن يضيع في لجج الغثاء؟! ألا يدعو ذلك إلى البحث عن السر وراء ذلك؟... ربما يحتاج الإنسان إلى عودة سريعة إلى مصادر الأخلاق في تربية الأخلاق.
|