* رام الله نائل نخله:
عبر خمس سنين مضت اعتادت الحاجة أم عمر ان يقدم لها ولدها نائل البرغوثي في كل زيارة الى السجن لرؤيته قنينتي ماء لتقوم بري شجرة الليمون الصغيرة التي طلب منها ان تزرعها امام منزله وتسميها «شجرة نائل» في قرية كوبر الى الشمال الشرقي من رام الله، وفي الزيارة الاخيرة قطف نائل محصول شجرته التي رواها من داخل سجنه، فقد قامت الحاجة بقطف محصول الليمون عن الشجرة وإعطائه لولدها نائل في سجن نفحة الصحراوي الذي قال لها «ان سجنهم لنا لن يمنعه من مواصلة العطاء وتقديم التضحيات للوطن».
وتضيف الحاجة ام عمر انها منذ سنوات لم تستطع معانقة ولدي نائل الذي تراه من وراء القبضان فيما يقتصر العناق على اصابع يدها اصابع يد ولدها نائل، وحيث اصبح السلام عبر الاصبع من المسلمات في سجون الاحتلال، وتقول ام عمر كم تمنيت ان اقبل ولدي بعيدا عن القبضان والاسلاك الشائكة، ولا ارسل له تلك القبلة الطائرة التي تخترق القبضان والاسلاك الشائكة لتصل من ولدي الي او مني الى ولدي.
ويقبع الأسير نائل البرغوثي داخل السجون الصهيونية منذ خمسة وعشرين عاما بعد ان القي القبض عليه هو ومجموعة من الفدائيين الفلسطينيين نجحوا في قتل ضابط اسرائيلي سابق في سلاح المظلات الاسرائيلي في الضفة الغربية عام 1978م.
فوالدة الأسير نائل وفور اطلاق الحكم بالسجن مدى الحياة اطلقت الحاجة ام عمر الزغاريد، وعندما سألها جنود الاحتلال عن سبب الزغاريد وقد حكم ولدها بالسجن مدى الحياة ردت عليهم قائلة انه قد نجح في حرق قلوب الاعداء ويستحق ذلك الفرح.
كان نائل في تلك العملية برفقة شقيقه الأكبر عمر الذي حالفه الحظ وخرج من السجن في صفقة تبادل الاسرى التي تمت في عام 1985 بين الحكومة الاسرائيلية واحمد جبريل، وكان من مجموعتهم ابن عمهم الاسير فخري البرغوثي المحكوم عليه مدى الحياة ويقبع في السجون الصهيونية منذ خمسة وعشرينا عاما ايضاً.
ولد نائل في قرية كوبر عام 1957م وأكمل حتى السادس الابتدائي ثم انتقل الى مدرسة الأمير حسن الثانوية في قرية بيرزيت المحاذية لقريتهم حتى التوجيهي لكن قوات الاحتلال لم تمهله ليكمل دراسة الثانوية العامة فاعتقل مع بداية الفصل الثاني في الصف الثاني عشر قبل خمسة وعشرين عاما.
يروي اخوه عمر الذي سجن معه صفات نائل فيقول: «كل من عرفه قال عنه انه شخص انساني وقوي، عنيد جداً على حقه، ويعمل من اجل صالح امته، ففي حين ان المعتقلين يحصلون على ملابسهم من اهلهم يستمر اخي نائل بالمطالبة بحقه في الحصول على حصته من الملابس والاحذية من ادارة السجن وهو ينجح حتى الآن في الحصول عليها، وربما انه الوحيد من بين الاسرى الذي يحصل على حقه في الملابس في كل السجون الاسرائيلية».
اما الحاجة ام عمر فترى ان ولدها كعادته يفضل الآخرين على نفسه «فهو في الزيارة الاخيرة التي رأته فيها قامت بإعطائه عدداً من حبات التين التي قطفتها له خصيصاً من القرية فقام نائل بتوزيعها على المعتقلين الذين كان بصحبته في تلك الزيارة، واطعمهم جميعاً من تين قريته».
وسط مرارة الشوق لولده يقول الحاج ابو عمر ان نائل من اقوى اولاده واقدرهم على العمل، كان دائماً يعينه في اعمال الفلاحة التي كان يقوم بها في ارضه ويعتاش بها، كان يصر دوما على ترويض الخيول التي كان والده يشتريها لتعينه في اعمال الزراعة.
ومن قصص نائل المثيرة يروي ولده انه ذات يوم تحدى مدير المدرسة ان يجلب له العصا التي يقوم جندي احتلالي بضرب ابناء المدرسة بها باستمرار، وبالفعل خرج من المدرسة ذات يوم واذا بهذا الجندي يحاول الاعتداء عليه، عندها دخل نائل في عراك مع ذلك الجندي ونجح في سلبه تلك العصا اللعينة التي ضرب بها عدداً من ابناء المدرسة وفي النهاية قدمها لمدير المدرسة الذي لم يصدق ما رأى من جرأة نائل.
الحاج صالح ابو عمر والحاجة ام عمر يشعران ان كافة الاسرى في سجون الاحتلال ابناؤهما وقد عكفا في وقت مضى على زيارة كافة الاسرى اللبنانيين خصوصاً سمير قنطار الذي تقول عنه الحاجة ام عمر انه ولدها وقد ناضل من اجلنا وله حق الزيارة علينا، اما الحاج ابو عمر فقد عكف على زيارة اسير لبناني لم يحضره اسمه تعرف عليه عند اعتقاله، وكان ذلك الاسير يقضي حكماً بالسجن لمدة ثلاثة عشر عاما واستمر في زيارته الى ان خرج من السجن وتوجه الى بلده لبنان الشقيق.
يروي عمر اخ الاسير نائل ان الزيارات قلصت الى 25 دقيقة كل ثلاثة اشهر بعد ان كانت نصف ساعة كل ثلاثة اشهر، ويضيف ان المعاناة والمشقة التي يعيشها اهالي الاسير «امه وابوه فقط» من اجل الوصول لرؤيه ولدهم تستحق ان تكون زيارتهم اطول بكثير من الوقت المحدد. ويروي الحاج ابو عمر كيف كانت الزيارة الاخيرة التي رأى ولده فيها فيقول انها كانت من اصعب الزيارات حيث توجهت في الثالثة صباحا الى مدينة رام الله لأتمكن من الالتحاق بالباصات التي تنطلق في تمام الخامسة صباحا لنصل الى سجن نفحة بعد قرابة سبع ساعات من التفتيش والتوقف والفحص وسط الحر الشديد، ليسمح لنا بعده برؤية ولدي لعشرين دقيقة فقط ولا يسمحون لي بإدخال الاغراض التي احضرتها له من ملابس وطعام ولأعود الى بيتي في الساعة العاشرة مساءً.وتستمر روايات وحكاية من معاناة يسببها الاحتلال للأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم، الذين يقدر عددهم بـ8000 اسير فلسطيني يقبعون في مختلف سجون الاحتلال ويقضون احكاماً متفاوتة بسجن تتراوح بين عام واحد وآلاف الاعوام ويعاني اهاليهم من عذاب احتلال مستمر «لا ينتهي».
|