في ص- 9-، نجد مقدمة الدكتور طه حسين: لكتاب- فجر الإسلام- للأستاذ أحمد أمين.. فنقرأ في قول الدكتور شكري فيصل في التمهيد قوله:«إن الأدب مرآة لحياة الأفراد والجماعات».. ونجد في هذه المقدمة الحافلة بالدرس الجاد، استشهاداً وشرحاً بل شروحاً، تحاور وتعلق على آراء وتوجهات الأستاذ العميد.. فقد كان الدكتور شكري يحلل ما سجله طه حسين في هذه المقدمات، التي مر على بعضها نحو ثمانين سنة، وأحدثها كان في عام 1965م.
* ويشرح كاتب المقدمة، أو يترجم قول الأستاذ العميد:«إن الأدب العربي يعاني نوعاً من الانصراف عنه والازدراء له، لأنه قاصر في صورته تلك عن أن يثبت للآداب الاجنبية التي أخذت تتسرب إلى الحياة العربية.. وإذاً فلابد أن تتخذ دراسته وجهة أخرى حتى يكون أقرب إلى نفوس الناس وعقولهم.. ولكن هذه الوجهة ليست بحال هي الوجهة التي تمثلت فيما أسموه «تاريخ الأدب» حين خيّل إليهم أن التجديد في درس الأدب إنما يكون إذا صيغت كتب الأدب العربي صياغة كتب الأدب الاجنبي، وأرخ الادب العربي على نحو ما يؤرخ الأدب الاجنبي».!
* والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل هذا الرأي باقٍ إلى اليوم، أم أن الأدب العربي، خلال ثلاثة أرباع القرن قد تغيّر إلى أي مستوى. لأن تاريخ مقدمة فجر الإسلام، كانت عام - 1928م-.. هل نستطيع القول اليوم، إن الأدب العربي، بعد أكثر من سبعة عقود من تاريخ كلام العميد، قد تطور على النحو الذي دعا إليه طه حسين، صياغةً وتاريخاً !؟ وهل القصور باقٍ أم قد زال على نحو ما، وتغيرت دراسته، لتستوعبه عقول الناس، كما قيل!؟ في تقديري أن شيئا كثيرا قد تحقق، وأن التغيير حفل به أدبنا العربي، خلال حقبة تبلغ في تقديري ثلاثة عقود، ولكن تدريجيا، ولاسيما بعد انفتاحنا على الآداب الغربية، وعودة البعوث، التي تلقت دراساتها العالية في بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة.. وكنا نقول قبل أربعة عقود إن أدبنا المحلي ليس له شخصيته المتصلة بالوطن الذي نشأ فيه، فهل هذه النظرة أو التهمة قد زالت، أم أن شيئا منها باق:«إن شريحة من المثقفين العرب اليوم يقولون إننا لا نملك مدارس أدبية مستقلة أو خاصة بنا، ولكنا لانزال تابعين لما نقرأ ونتأثر وننقل عن الغرب..!
* في مقدمة طه حسين لتقويم- عمل الأستاذ أحمد أمين في فجر الإسلام-، نجد العميد يقول على نحو ما، ما قاله كاتب المقدمة، فيما أشرت إليه آنفا، وإليكم قوله في ص - 10-:« فالأدب العربي ليس أقل حياة من الآداب الأجنبية.. واستحقاقاً للعناية الخصبة والدرس المنتج.. وكل عيبه أنه مجهول لا يحسنه أصحابه ولا يتعمقونه، ولا يتخذون المناهج المحدثة في دراسته، كما اتخذت المناهج المحدثة في دراسة العلوم التجريبية».!
* ويعقب الدكتور شكري فيصل على قول العميد، بأن العمل الذي قدمه أحمد أمين إنما هو تجربة أقبل عليها زملاؤه وأقبل هو عليها في درس الأدب العربي في الجامعة-.!
يقول الدكتور طه من مقدمته، وهو يتحدث عن عمله وزملائه، حين طلب إليهم إنجاز ما كلفوا به من درس أدبي:«حين كلفنا هذا الدرس منذ سنين، وكنا نحدث أنفسنا بأننا نحاول تجربة شاقة، إن نفلح فقد استطعنا أن نحيي الأدب العربي ونبعث فيه روحاً جديدة تمكنه من النمو والنهوض».
* كان ذلك فيما أقدر، في مرحلة بدء النهضة، بعد ركود طويل، قبل انبلاج فجر النهضة والتجديد، في الربع الأول من القرن العشرين الميلادي.. أما ما قبل ذلك، فقد كانت الحياة الأدبية العربية، في مهد السبات العميق، وكان ما يكتب ويقال، أنماطاً من أساليب تقليدية، ليس فيها حياة ولا نمو ولا قيمة.
|