Monday 28th april,2003 11169العدد الأثنين 26 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
الحزن الجميل
عبدالله بن بخيت

تجتاح المرء في بعض الأحيان موجة طفيفة من الحزن تغطي القلب كالضباب الرقيق الذي يظهر فجأة على حواف الجبال الوطيئة، موجة تميل إلى البرودة بلون الرماد أو هكذا يخيل لك، يعرفها كثير من الناس ولكنهم تعوَّدوا عليها حتى تحولت الى مجرد تنهدات، لا تتداخل مع الأحزان المعتادة، تصل الى المرء في لحظة صفاء أو عزلة أو هكذا بدون سبب، لم أقرأ عنها في القصائد التقليدية ولكنها تعرف في بعض القصائد الحديثة ب«الحزن الجميل».. لا أعرف سبب التسمية ولكني أراها أفضل تعبير يمكن تداوله لتغطية الاحتياج الطبيعي للكلام عن مثل هذه المشاعر، لا تطالبك بوصف أو تعريف وانما يكفيها من اللغة تعبير غامض وموحٍ لأن الإنسان سيموت قبل أن يجد أوصافاً لكل محتويات قلبه، وأظن أن هذه واحدة من جماليات الشعر الحديث، يقدم وصفات لهذه التجارب الصغيرة المظلمة والمندسة في ضميرك.
حزن لم ينشأ من سبب حقيقي من الأسباب التي تؤدي إلى الحزن، وإنما ينشأ من داخل الجسد الإنساني عندما يعيد إنتاج محتوياته العاطفية، من تراكم الأسباب الصغيرة المتناثرة المتعلقة بشؤون القلب. تتذكر فتاة صغيرة في بداياتك الأولى مع الحب تركتها في منعطف تتذكر أنك قلت «لا» وكان يجب أن تقول نعم لأمك أو أبيك في مرحلة من السّفه، في سورة غضب لا تعرف سببها قلت كلمة أخجلت صديقا أو زميلا، أو أن تكون في داخلك نكتة بسيطة تريد أن تخبرها أحدهم فتكتشف أنه لن يسمعها أبداً لأنه مات.
وأكثر هذا النوع من الحزن يأتي في المراحل التي يستريح فيها القلب في مكانه الصحيح وربما النهائي، عندما يجلس الإنسان جانباً ويتنحى عن الناس، وتهدأ زحمة الحياة في قلبه، نقول في بعض الأحيان يا أخي اليوم ضايق صدري، ولا نعرف الحقيقة، فالضمير يعمل في أوقات الراحة والتأمل على بيالة شاهي في وحدة خاطفة عندما يتغيَّر الجو قليلاً أو في وقت لا نجد ما نفعله، تستيقظ الذكريات الداخلية. يتحرك شريط الأيام القديمة، هناك ذكريات تقفز على السطح تسبب الفرح والبهجة وربما الآلام، ولكن هناك ذكريات مضطهدة لا تقفز على سطح الذاكرة، بل تدق في القلب بعذوبة واهنة، تتذكر انتصاراتك وإنجازاتك والأوقات المضيئة التي قضيتها في الأيام الماضية ولكنك تتجاهل أو بسبب تبكيت الضمير الذكريات الصغيرة المنغصة. وأهم ميزة هذه الذكريات أنه لن يحاسبك عليها أحد، من سيأتي في يوم من الأيام ليقول لك لماذا هربت من البنت الصغيرة في منعطف شارع العطايف أيها الجبان، أو لماذا لم تطع أمر أبيك عندما طلب ذلك، إنها ذكريات موغلة وبعيدة ولا يملكها سواك وبالتالي لا تمس سواك، إنها مصدر أحزان لك وحدك ولا تستحق أن تسردها لأحد لأنها ضعيفة لا تمتلك قيمة، لو وضعت منها قائمة بصيغتها التي يجب أن تكون لانتهيت إلى كتابة قصيدة شعر.

فاكس 4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved