المسجد مصدر إضاءة في المكان الذي يقام فيه، ويكفيه أنه بيت الله، ولا يمكن أن يكون بيت الله الا مضيئا، والمرتادون للمسجد هم ضيوف الله، ولن يجد ضيف لله إلا الكرم والكرامة، والغنيمة والسلامة، والرحمة والأجر المضاعف الكبير.
ومادام المسجد بيتاً لله عزَّ وجلَّ، ومصدراً للإضاءة، ومكاناً لضيافة كريمة سخية فإن مسؤولية إمامته كبيرة، والدور المنتظر خطير، فليس دور الإمام أن يدخل إلى المسجد قبيل إقامة الصلاة ويقول لمؤذنه: أقم، ثم يقول للناس: استووا واعتدلوا ثم يتجه إلى القبلة ويبدأ الصلاة، ثم يسلِّم ويتجه الى المصلين بوجهه حتى إذا أتمَّ تسبيحه وذكره قام من محرابه مودَّعا بمثل ما استقبل به من نظرات بعض المصلين، ليس د ور الإمام محصوراً في أداء الصلاة فقط، فإنه يتجاوز ذلك الى التوجيه والإرشاد والإصلاح، وبناء علاقة حميمة مع المصلين وسكان المنطقة التي يوجد فيها المسجد.
ولا نختلف - جميعاً - في أهمية أن يكون إمام المسجد على مستوى متميز. من حسن الخلق، ولين الجانب، وسعة الصدر، ودقة المتابعة لأحوال الناس،والشعور بالمسؤولية التي يحملها، فإذا قصَّر الإمام في مجال التوجيه والمتابعة، ولم يتنبه الى ما يحتاجه الناس من توجيه في صلاتهم وسلوكهم، ومن مساعدة لهم في حل مشكلاتهم، ومشاركة لهم في مناسباتهم، فانه بذلك يختصر رسالة المسجد الكبرى اختصاراً مخلاً، ويتخلى عن جزء مهمِّ من مسؤوليته.
حينما نرى مخالفات كثيرة مستمرة من كثير من المصلين صغاراً وكباراً، ونرى إهمال الإمام لها، وعدم الإحساس بها، وكأن أمر المصلين لا يعنيه، فإننا نشعر بضرورة توجيه هذا الإمام نفسه إلى حقيقة دوره في مسجده، ونشعر بأهمية عناية وزارة الشؤون الإسلامية بتدريب الأئمة تدريباً يحقق ما تصبو إليه نفوس الناس من أئمة مساجدهم، ان الأعمال الجليلة التي يمكن أن يقوم بها إمام المسجد كثيرة، وإنها مهمة لقيام المساجد بدورها المتكامل في إصلاح شؤون الناس وتوجيههم.
ويظل نظر كثير من أئمة المساجد قاصراً حينما يظنون أن هذا العمل الجليل لا يتجاوز اداء الصلوات، وقراءة حديث او حديثين بعد صلاة العصر، وطلب التبرع من المصلين لدعم جماعة تحفيظ القرآن بين فترة وأخرى، لأن هنالك أموراً أخرى مهمة جديرة بالمتابعة والاهتمام.
إن المتابع لأحوال الناس في المساجد يرى من مظاهر الغفلة، وغياب الخشوع، وغلبة العادة في أداء الصلاة، دون تحقيق حضور القلب المهم الذي تنضبط به اعمال المصلين وحركاتهم، يرى من ذلك ما يوحي بأهمية دور الإمام الموجِّه المرشد.
وهناك مجموعة من المخالفات اليومية التي تحدث على مسمع من الإمام ومرأى، ومع ذلك فنحن نعرف أن بعض الائمة يستسلم لروتين إمامته دون أن ينبِّه إلى شيء من تلك المخالفات أبداً، وهذا تفريط وتقصير واضح في مسؤولية إمامة المسجد.
ومن المخالفات التي تحدث دائماً ما يلي:
1- كثرة الحركات في الصلاة بصورة مزعجة فالجسم يتمايل، واليد اليسرى مشغولة بإصلاح العمامة، واليمنى بالدخول في الجيب والخروج منه.. الى آخر ما هنالك من حركات جمعها أخونا د. عبدالله الحكمي الاستاذ في كلية أصول الدين في أرجوزة لطيفة ظريفة صدرت في شريط بإنشاد المنشد سمير البشيوي يحسن الاستماع اليها.
2- إيقاعات الجوالات التي تنتشر أصداؤها المختلفة في جنبات المسجد.
3- تخطي رقاب الناس بطريقة لا تخلو من سوء أدب.
4- قطع صلاة المصلين بصورة لافتة للنظر خاصة ممن يصلون في الصفوف الأولى وينفرون من أماكنهم بعد السلام مباشرة.
5- الركض مع اللهاث من المتأخرين لإدراك الركوع حينما يدخلون المسجد والإمام راكع.
6- المحادثات بأصوات مرتفعة بين بعض المصلين وقت انتظار الصلاة أو بعد السلام.
7- عدم اهتمام كثير من المصلين بنظافة ملابسهم، فالعمال لا يهتمون باتخاذ ملابس للصلاة ولذلك يحصل من الأذى للمصلين في المسجد مالا يحتمله المصلي، أحياناً، والشباب وبعض الرجال يأتون الى المساجد بملابس النوم بألوانها المختلفة وبأشكالها الحسنة وغير الحسنة، او بملابس الرياضة، او يأتون بثيابهم التي اثقل كاهلها ما عليها من البقع والأوساخ.
8- يأتي بعض الناس مشمري الأكمام، وكأنهم مقبلون على مائدة من الطعام.
9- بعض المصلين يرفع صوته بقراءة القرآن بين الأذان والاقامة وكأنه في مهرجان عام، ناسياً ما يسببه للمصلين من الاشغال عن صلاتهم.
10- هنالك عبث في كثير من المساجد من الأطفال والفتيان وبعض الشباب، ركض في المسجد وأحاديث مرتفعة، وضحك وتنكيت، وفي هذا السلوك دلالات متعددة على الإهمال التربوي الكبير عندنا، فالاسرة لا تعلم والمدرسة لا تعلم والمسجد لا يعلم واقصد هنا تعليم نواحي السلوك السوي واحترام الاماكن والمواقف -، هذه المخالفات وغيرها كثير تجري في كثير من مساجدنا فأين دور الامام في إصلاحها وتوجيه الناس في شأنها؟!
يا أئمة المساجد الكرام، إن عليكم مسؤولية توجيهية كبيرة، وهي مسؤولية تقع ايضاً على عاتق المؤذن الذي يجب أن يكون له دور مساند للإمام، وأن المصلي صغيراً كان أم كبيراً يحتاج الى تذكير ونصيحة، والمسجد مكان تترقى فيه الروح، وتنشرح فيه الصدور، وتستجيب فيه النفوس للنصيحة الهادفة الهادئة المستمرة فهل نطمح الى مضاعفة الجهد في هذا المجال؟!
ولا ننسى أن ننوه هنا ونشيد ببعض أئمة المساجد الذين تظهر جهودهم جلية في الاحياء التي يؤمون مساجدها.
إشارة
تتلاشى مظاهر الكون عندي
حين تصطفُّ للصلاة الصفوفُ
|
|