عمر فوزان الفوزان
عُرِّفَ التاريخ في المعجم الفلسفي بأنه لغة تعريف الوقت وتاريخ الأمم وغيرها وهو ذكر نشأتها وتطورها وآثارها، فهو العلم الذي يبحث في حياة الأمم والمجتمعات والعلاقات التي تقوم بينها، وهو خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك من الأحوال، وما ينشأ عن ذلك من المُلك والدول ومراتبها وما يبذله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وما سوى ذلك.
وعرفت الفلسفة في المعجم الفلسفي بأنها محبة الحكمة وعلم حقائق الأشياء والعمل بما هو أصلح وهي بعلم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان وعرف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمل الأشياء.
والتاريخ والفلسفة يبدوان لأول وهلة متناقضين متعارضين لأن الفلسفة معناها الكشف عن الحقيقة، والحقيقة معناها مطابقة الفكر والواقع واما ان يكون الفكر مطابقاً للواقع وحينئذ يسمى حقيقة وإما لا يكون فلا يمكن ان يسمى حقيقة فالحقيقة إذاً تقتضي الثبات ما دامت هي في جوهرها ليست غير مطابقة الفكر للواقع بينما نشاهد من الناحية الأخرى ان التاريخ موضوعه التغير إذ لا يمكن ان يفهم بغير الزمان او بعبارة أخرى، ليس التاريخ غير سلسلة من الحوادث المتتابعة التي ترتبط اشد الارتباط.
كلا الموضوعين اذن مختلف، الفلسفة والتاريخ ما دام موضوع الحقيقة أو الفلسفة هو الثبات بينما موضوع التاريخ هو التطور والتغير والزمان والواقع ان هذا القول لا يمكن ان يعد صحيحاً ولو ان الذين وقفوا هذا الموقف اي الذين انكروا ان يكون للفلسفة تاريخ، نقول ان هؤلاء قد جعلوا الموقف بالنسبة الى تاريخ الفلسفة ينقسم الى قسمين: فإما ان يقول المرء ان هناك تاريخا وليس ثمة فلسفة، او ان يحسب ان هناك فلسفة وليس ثمة تاريخ لها، والرغم من هذا كله هو ان للفلسفة تاريخاً وقد قال ديكارت: «إذا كان لا بد من خيال فلسفة فلا بد ان نضرب بما فيها عرض الحائط»، أي ان نتحلل من الأفكار التي ورثناها من الفلسفة، وقد اختلف المؤرخون من قديم الزمان في بدء تاريخ الفلسفة أي في النقطة التي ابتدأ عندها تكوين الفلسفة فقال ارسطو إن الفلسفة لا تبدأ إلا من القرن السادس قبل الميلاد على يد طاليس الملطي، وقال ذيو جانس إن أول فلسفة قامت عند الشرقيين والمصريين.
والفلسفة لا يمكن ان تنفصل عن الأشخاص الذين انتجوها، وثانياً عن الروح التي سادت العصر وان أول ما كتب عن تاريخ الفلسفة في العصر الحديث بورليوس في كتابه حياة الفلاسفة سنة 1477م.
إن تاريخ الفلسفة يوضح الرقي التدريجي لقضايا الفلسفة من زمن الفلاسفة اليونانيين الى القرن العشرين بعدالميلاد، وانه من المستحيل ان ندرك كل النظم والآراء الفلسفية فالموضوع واسع الاطراف ومسائله في غاية التعقيد، فلا يصح ان يقارن تاريخ الفلسفة بغيره من تواريخ العلوم الأخرى لسببين: «أولهما»: ان مدار البحث في العلوم الأخرى محدود، فلا تعترض صعوبات غير عادية في تتبع الرقي التدريجي، وكذلك بناء العلم على بعض القواعد الأساسية واضح في كل العلوم وليس كذلك الشأن في الفلسفة، قضاياها على كثرتها متنوعة وليس موضوعها واحدا في كل العصور، ومما يزيد الأمر صعوبة ان كل مفكر يأتي لا يبني على ما وصل اليه من سبقه بل يبتدئ في حل قضيته من جديد كأن لم تكن قبله نظم ولا وضع قبله أساس «وثانيهما» ان ترقية الأفكار وتأسيس العقائد إنما يكونان على يد مفكرين ذوي شخصية، وهؤلاء وإن كانوا مرتبطين في أفكارهم بأفكار من تقدمهم، يزيدون عناصر خاصة من عندهم متأثرة بشخصياتهم وهذا في الفلسفة أهم منه في العلوم الوضعية الأخرى. فمن البديهي ان أخلاق الشخص وتجاربه وأعماله في الحياة ومنشأه وتربيته تؤثر أثراً كبيراً فيما يضع من القضايا المعنوية المجردة، وفي فكرته العامة نحو العالم وتطبع ما يرى وما يفكر فيه بطابع خاص.. من هذا كله ينتج أن تاريخ الفلسفة ليس إلا جمعاً متسلسلاً لكل الآراء الأساسية التي وضعها هؤلاء الافراد ذوو الشخصية وأنظارهم الى العالم وأحكامهم على الحياة مع بيان ما زاده كل من عند نفسه ويجب ألا يقتصد في تاريخ الفلسفة على شرح نظام الفلسفة والتئام أجزائها بعضها ببعض بل يجب ان يشمل ايضاً شرح نموها وتدرجها في الرقي.
وواضح انه كلما ترقى الفكر وتقدم الإنسان واتسعت دائرة المعارف كانت الآراء أغزر، هذا الى انه قد تعرض قضايا على بساط البحث مرة ثم تعرض هي نفسها مرات أخرى وفي كل مرة تبحث بطريقة جديدة تخالف الطريقة التي يبحث فيها من قبل ويمكننا ان نقسم تاريخ الفلسفة الى العصور الكبرى الآتية ولكل عصر منها مميزات خاصة وطابع خاص.
|