|
| ||||||||||||||||||||||||
* جراح قلب
أمرأة تنفث الدخان من لهب فمها لا تطاق.. بل إن طلبها أمر.. وهمسها زجر لابد من اطاعته وهي تسأل:
وعلى الفور اجابها وشفتاه ترتعشان كما لو أنهما اصيبتا بحمى الشفاة التي لا شفاء منها إلا بالطاعة:
وراح يعددها باعتبارها ثروته التي لا يملك سواها، إلا أنها استذكرت واستكثرت عليه خياره واصفة الشعر بأنه جبان.. وأن الشاعر تمتصه احزان شعره إلى النخاع.. وإلى الضياع في عالم يومه مذكرة إياه بعصور ذهبية كان الشاعر فيها سيد قومه.. وحديث ركبانهم.. ولأنه أسير شعره لم يطلقه.. وانما امتطى زورقه ليغني:
وددت لو استعاض عن القلب الثابت بالعزم الثابت.. لعله الأنسب. وفي ابحاره يسرح به الخيال مجدفاً داخل ذاته يستحثه.. ويوطن لديه عزيمته كي لا يجرفه الموج وتتلقفه حيتان البحر. ويرسو على الشط.. ونرسو معه أمام محطة جديدة تأخذنا إلى غيابة الجب: أو غيابه لا أدري:
نحن في سماع ما يرويه شاعرنا النعمي منصتون.. وقلقون عليه.. سرد لنا بعضاً من مسيرة عمره، كان وحيداً يوم أن خاض لج الحياة بخطوات طائشة تعرت معها أوراق أغصانه وتساقطت لولا بقايا من شجاعة.. وبقايا من أمل:
يبدو أن أغصان أحلامه أورقت من جديد على دفء الأمل، وماء الحياة..حمداً لله على أن أعاده معافى إلينا في شعره ومشاعره.. ونفس طويل أغرق فيه الوصف، واستغرق فيه التجربة.. وهكذا يكفي.. ولكن.. الأحلام الجميلة لا تدوم لأحد.. ومنهم شاعرنا الذى فاجأنا للمرة الثانية بانكسار مجاديف حلمه:
من هو (هو) انه غامض.. بل ضبابي التعريف.. ليت أن شاعرنا تخلص منه بكلمة واحدة تعفينا من السؤال.. هذه الكلمة «كل ما بينهما رهن اندحار» ويمضي رأسمالنا ظلال يومه وليله.. اليوم ينقضي دون شعور به، وحين يلح الليل يتمنى عليه اطفاء ناره التي تكويه.. فإذا بأشباح الليل تطارده.. فلا نهاره آمن.. ولا ليله سكن.. قصة الحائرين بين خيارين غامضين غير قادرين على جلاء الحيرة.. رغم كل هذا التذبذب بين ما يريد (وما لا يريد تزحمه تأملاته من جديد على ضوء مصباح باهت يتراقص في عتمة الظلام:-
يصف الليل بالحضن الرؤوم الذي يرتمي فيه من أحب الله.. وركن إلى طاعته مستثمراً هدوءه وبعده عن صخب المادة وتعب النهار.. القصيدة كجل قصائد ديوانه طويلة.. يغلب عليها المباشرة.. والتقريرية.. داخلها مقطوعة وعظية تفتقر إلى الرومانسية وايقاعاتها الرتمية والجمالية.. للوهلة الأولى أحسب شاعرنا غاضباً ورافضاً.. هكذا أوحى لنا عنوانه «لا يا فالحه».. ربما لم تعجبه حركاتها وراح يعاتبها.. ويحاورها لأنها امرأة غامضة تثير هواجس النفس ووساوسها قال عنها:-
لماذا لم تقل في صورة فاضحة.. كي ندرك المعنى ونعرف السبب لتلك الشكوى؟! وتسرد تلك الأنثى الثائرة على شاعرنا بعضاً من معاناتها.. وكيف ينظر إليها شريك حياتها..
أما أحاسيسها كزوجة فقد اغتالها بصدوده، وتساءل شاعرنا لماذا؟ وكيف؟ وماذا تعمل؟ ويأتي جوابه:-
البناء الدرامي للقصة الشعرية يكتنفه الخلل التحليلي.. بل ان العظة لعودتها إليه غير مفهومة لأنها لديه وتعاني منه مر الشكوى. وكان الأجدر بشاعرنا إن هو وقف على الحقيقة مجردة دون لبس مطالبة الزوج المهمل الذي ارتأى في زوجته مجرد خادمة أن يخاف الله.. ويحفظ لها حق الزوجية دون صغار واحتقار، فالزوجة شريكة حياة، الرباط بينهما مقدس ما لم تخترقه خيانة أواستهانة بأمانة من حقها أو من حقه.. شاعرنا متيم بالليل.. وشخوص الليل.. ربما لأن الليل معشوق الشعراء دون سواه.. فيه يستوحون أشعارهم.. وفيه أيضاً يبوحون بأسرارهم أكثر من نهارهم.. حتى في الزمن الضائع:-
بعض أسئلتها له.. ثم راحت تذكره.. وتتذكره:
الاهتزاز هنا نقيض الاعتزاز إذا كان المقصود به مدحاً واظنه كذلك.. ثم كلمة «كاع» نشاز في لفظها ومعناها. وإذا كان المقصود أيضاَ اشادة ببطولته فلتكن مفردة (هاب) خوف الخطر.. هذا البعض من الكثير الذي قالته لزوجها.. منتظرة منه على أحر من جمر رده عليها.. وكان الرد:-
غيض من فيض اعترافاته لها بالجميل.. وتبقى المفاجأة المنكرة من ذلك الزوج الجاحد للجميل:-
ما دخل الشعر قديمه أو حديثه في علاقة حياة مشتركة بين زوجه وام اولاده.. عملية اقحام غير مفهومة ولا مهضومة.. بل ان حبكة البناء الشعري مضطربة في سردها ونقلها تحتاج إلى صياغة تخدم الفكرة.. وتروضها لصالح العمل معنى ومغنى.. كي يأتي سامياً في تصوره وتصويره للتجربة الواقعية.. وللتسامي صفات سوف يدلنا عليها شاعرنا علي النعمي من خلال استقرائنا لديوانه «جراح قلب»
هكذا حدد لنا أربع صفات لتساميه.. واحدة منها «بشام» لم أفهمها.. وأخريات هي الجذور بعيدة الغور المثالية.. السلوك. المظهر. العطاء والسلام، حفظ الجميل، خفض الجناح، الفضيلة، الوفاء، التفاني، حسن أخلاق، رفق، كسب حلال، حسنى، عفو، فضل، حشد من المفردات حشرها إلى درجة التيه في ممراتها بشكل انشائي، وعظي ينتهي إلى هذين البيتين:
تجاوزنا ثلاثة أرباع الدرب أو كدنا ونحن ندلج في سيرنا بين قلب موجوع، وقلب مفجوع.. وقلب نازف، وآخر خائف.. القلوب كلها في جادتنا مضطربة ونحن لا نكاد نلوي على شيء إلا في حدود ما به تسمح مساحة الرحلة.. لهذا فإن تجاوزنا للكثير من محطات الديوان لا يعني التقليل من قيمتها.. وسأحاول ان انتزع منها الأفضل والأكثر اشراقاً: «سناء الشهيدة» لعله يعني بها سناء محيدلي شهيدة الجنوب اللبناني:
لعل هذه القصيدة التي صاغها عن عشق وعن انفعال لا افتعال فيه من أجمل قصائده شعرية وأكثرها امتاعا واشباعاً.. اختهما بقوله:
وقد بقي جنوب لبنان حراً كريماً بفضل دماء شهداء ورجال مقاومته.. وتلاحم ابنائه في وجه الاحتلال وعملائهم. ما بين الخطوة والاغفاءة موقف غاضب محتد لا أعرف سببه.. ولا من يشير إليه غضبه إلا أنه غضب يثير العجب وربما الاعجاب..
أجاءه مفردة مبتسرة.. في مقدور شاعرنا الغالي أن يعيد إلى شطره شيئاً من توازن لو انه اورده على النحو التالي: (بمكان عال، لم الحظه جاءه؟) ويبدو أن مرجل الغضب، وخط الهجاء في تصاعد:
لا مكان هنا لعلامة الاستفهام ولا حتى التعجب لأنها توصيف لحالةمجردة من كل غموض.. وأخيراً مع الطفولة في مقطوعته الأخيرة لعلها مسك الختام لرحلته الشعرية:
القصور التي نبنيها من الرمال ونحن أطفال نهدها ولا نبقي لها أثراً كي نعيدها من جديد.. بهذا المعنى حسناً لوجاء شطره ما قبل الأخير على النحو التالي: (نبني قصوراً ثم نهدم ما انبنى).. ربما يكون أكثر واقعية.. رغم أن هدم البعض صحيح إلا أن هدم الكل أصح. ويسترسل شاعرنا النعمي في نقل صور حياته الطفولية مع اقرانه الصغار مسترجعاً تلك الذكريات متمنياً لو أنها عادت من جديد وما هي بعائدة لا في احلامها.. ولا في براءتها..
كلنا نتمنى العودة.. ولكن الشاعر يقطع علينا خط الرجعة:
وبعد أيها الصديق العزيز قضيت معك بعض وقت ممتع فيه ما أعجبني وفيه ما أثار لدي شيئاً من التعجب لايماني انك تملك القدرة على التصويب اذا ما حاولت.. وتملك المقدرة على صياغة الفكرة إذا ما انفعلت.. وحسبي انك في خط سيرك الشعري ستزودنا بزاد نلتهمه بعقولنا قبل أفواهنا لأنه جيد وحلو المذاق. الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321
فاكس 2053338
|
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |