طلب مني الصديق الأستاذ محمد الشدي، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للثقافة والفنون المشاركة بكلمةٍ قصيرة بمناسبة مرور ربع قرن على انشاء الجمعية، وذلك حدث هام للثقافة والمثقفين في هذه البلاد، وأنتهزُ الفرصةَ فأهنِّئُ من الأعماق كلَّ مَنْ يهمّه أمرُ هذا الصرح الثقافي، قياداتٍ وعاملين ومتلقّين.
** ولقد كنتُ وما برحتُ أعتبر الجمعية دارَ المثقفين، ولسانَهم الناطق، ويراعهم المعبّر عن أحلامهم وآمالهم، وأن تكونَ وعاءً يرعى فلذاتِ وجدانهم، أدباً وفناً.
** من جهة أخرى، أحسَبُ أن جمهوراً عريضاً من المثقفين يتّفقون في شيءٍ ويختلفون في أشياء كلّما تحدثوا أو كتبوا عن هذه الجمعية فكرةً ورمزاً وأداءً.
فهم يتّفقون لا ريب حول جدوى قيام الجمعية في غياب أيّ «ممثل شرعي لهم»، ويسلّمون أنها بذلتْ وتبذلُ ما وسعَها البذلُ خدمةً لهذه الغاية، وإثراءً لموارد الثقافة والفنون في أكثر من مكان من هذه البلاد وأكثر من زمان.
** لكنهم رغم ذلك يختلفون في الحكم للجمعية أو عليها حين يُخضِعون حصادها للتقويم العاقل والعادل والسويّ، عبر السنين.
** فبعضُهم، والطوبائيُّون منهم خاصة، يرون أن المهمةَ المناطةَ بالجمعية منذ قيامها كانتْ ولم تزل أكبر من قدرتها على الأداء، في ظل الموارد المتاحة لها مادياً وفنياً وبشرياً وإدارياً، ومن ثم يرون أنه لا بد من إعادة تعريفِ مهمة الجمعية، بحيث تلامسُ خصائصها «أرض» المكان والزمان والمناخات المكيفة لوجود الجمعية ضمن «الأطلس الثقافي» في هذه البلاد!
** والبعضُ الآخر، يرونَ أن الجمعية نجحت في تحقيق الحدّ الأدنى على الأقل من الطموح الذي يتطلع إليه المعنيّون بثقافة الحرف واللسان والريشة، لكنهم يتطلّعون بتفاؤل إلى مزيد من الانجاز، ملتمسين في الوقت نفسه للجمعية شيئاً من عذر، وشيئاً من سبب للفجوة التي يجزمون بوجودها بين الطموح والحقيقة، أو بين «ما يجب أن يكون» وما هو كائن!
** وهناك العاتبون على الجمعية بحجة أنها لم تستثمر الموارد والامكانات التي أُتيحت لها يوماً من الأيام لإقامة «بنية تحتية» للثقافة وخاصة، ثقافة الكتاب والمسرح!
** ولكم تمنّيتُ ومازلت أتمنَّى أن تقوم الجمعية عبر آلية البحث الميداني، باستطلاع آراء عيّنة ممثلة للمجتمع المثقف، للتعرّف على مواقف النجاح والإخفاق في مسيرتها، وسبل تصحيح ما يلزم تصحيحه، وتغذية الطموح بما أٌُنجز طمعاً فيما هو أفضل.
** إذن.. فإن احتفاءنا ب«اليوبيل الفضي» لجمعية الثقافة والفنون هو فرصة للتعبير عن شعور يتقاسمه الحبُّ لها والغيرة عليها مع شيء من العتب تطلّعاً إلى ما هو أفضل، ولا أقول «ما يجب أن يكون» كي لا نقع في وهدة الحلم المستحيل!
* ولعلَّ هذه المناسبة العزيزة بمرور 25 عاماً على قيام هذه المؤسسة الثقافية أن تكون وقفة تأمّلٍ صادقٍ وأمينٍ لمسيرة الجمعية، كيف كانت، ومسار الغد، كيف يمكن أن يكون، مستلهمين في ذلك معاني وأبعاد النقلات والتحولات الحضارية والاجتماعية والتنموية الجسورة التي تعيشها هذه البلاد منذ سبعين عاماً، منحتها مكاناً ومكانة ساميين تحت الشمس!
|